للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

جهة العربية؛ لأنَّ الحال المُبيِّنة لا تُحذَف بلا دليلٍ، ومن ثمَّ منع بعضهم تعلُّق الباء في «بسم الله» بحالٍ محذوفةٍ، أي: أبتدئ متبرِّكًا، قال: لأنَّ حذف الحال لا يجوز، وأجاب البدر الدَّمامينيُّ منتصرًا لابن دقيقِ العيد: بأنَّ ظاهرَ نصوصهم جوازُ الحذف، قال: ويؤيِّده أنَّ الحال خبرٌ في المعنى أو صفةٌ، وكلاهما يسوغ حذفه لا لدليلٍ (١)، فلا مانع في الحال أن تكون كذلك. انتهى. وقِيلَ: لأنَّ التَّغاير يقع تارةً باللَّفظ، وهو الأكثر، وتارةً بالمعنى، ويُفهَم ذلك من السِّياق؛ كقوله تعالى: ﴿وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَابًا﴾ [الفرقان: ٧١] أي: مرضيًّا عند الله، ماحيًا للعقاب، محصِّلًا للثَّواب، فهو مؤوَّلٌ على إرادة المعهود المستقرِّ في النَّفس؛ كقولهم: أنت أنت، أي: الصَّديق، وقوله:

أَنا أَبو النَّجمِ وشِعْرِي شِعْرِي

وقال بعضهم: إذا اتَّحد لفظ المبتدأ والخبر أو الشَّرط والجزاء عُلِمَ منهما المبالغة، إمَّا في التَّعظيم؛ كقوله: «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله»، وإمَّا في التَّحقير؛ كقوله: «فمن كانت هجرته إلى دنيا … » إلى آخره، وقِيلَ: الخبر في الثَّاني محذوفٌ، والتَّقدير: فهجرتُه -إلى ما هاجر إليه من الدُّنيا والمرأة- قبيحةٌ غير صحيحةٍ، أو غير مقبولةٍ، ولا نصيب له في الآخرة، وتُعقِّب: بأنَّه يقتضي أن تكون الهجرة مذمومةً مُطلَقًا، وليس كذلك؛ فإنَّ من ينوي بهجرته مفارقة دار الكفر وتزويج المرأة معًا لا تكون قبيحةً ولا غير صحيحةٍ، بل ناقصةً بالنِّسبة إلى من كانت هجرته خالصة، وإنَّما أشعرَ السِّياق بذمِّ من فعل ذلك بالنِّسبة إلى من طلب المرأة بصورة الهجرة الخالصة، فأمَّا من طلبها مضمومةً إلى الهجرة فإنَّه يُثَاب على قصده الهجرةَ، لكن دون ثواب مَنْ أخلص، وقد اشتُهِر أنَّ سبب هذا الحديث قصَّة مُهاجر أمِّ قيسٍ المرويّ (٢) في «المعجم الكبير» للطَّبراني بإسنادٍ رجالُه ثقاتٌ من رواية الأعمش، ولفظه عن أبي وائلٍ عن ابن مسعودٍ قال: كان فينا رجلٌ خطب امرأةً يُقال لها: أمُّ قيسٍ، فأبت أن تتزوَّجه حتَّى يهاجرَ، فهاجر فتزوَّجها، قال: فكنَّا نسمِّيه مهاجر أمِّ قيسٍ،


(١) قوله: وكلاهما يسوغ حذفه لا لدليل، لعل الصواب إسقاط لفظ (لا) على أنها ملحق بغير خط الشارح.
(٢) في غير (د) و (ص): «المرويَّة».

<<  <  ج: ص:  >  >>