للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولم يقف ابن رجب على من خرَّجه، فقال في شرحه «الأربعين» للنَّووي: وقد ذكر ذلك كثيرٌ من المتأخِّرين في كتبهم، ولم نَرَ له أصلًا بإسنادٍ يصحُّ. وذكر أبو الخطَّاب ابن دحية: أنَّ اسم المرأة قَيْلَة، وأمَّا الرَّجل فلم يسمِّه أحدٌ ممَّن صنَّف في الصَّحابة فيما رأيته، وهذا السَّبب وإن كان خاصَّ المورد، لكن العبرة بعموم اللَّفظ. والتَّنصيص على المرأة من باب التَّنصيص على الخاصِّ بعد العامِّ للاهتمام؛ نحو: الملائكة وجبريل، وعُورِض: بأنَّ لفظ دنيا نكرةٌ، وهي لا تعمُّ في الإثبات، فلا يلزم دخول المرأة فيها، وأُجِيب: بأنَّها إذا كانت في سياق الشَّرط تعمُّ، ونكتة الاهتمام: الزِّيادة في التَّحذير؛ لأنَّ الافتتان بها أشدُّ، وإنَّما وقع الذَّمُّ هنا على مباحٍ، ولا ذمَّ فيه ولا مدحٌ؛ لكون فاعله أَبْطَنَ خلاف ما أظهر؛ إذ خروجه في الظَّاهر ليس لطلب الدُّنيا؛ لأنَّه إنَّما خرج في صورة طلب فضيلة الهجرة.

و «الهجرة» بكسر الهاء: التَّرك، والمراد هنا: مَنْ هاجر من مكَّة إلى المدينة قَبْل فتح مكَّة، «فلا هجرة بعد الفتح، ولكن جهادٌ ونيَّةٌ» [خ¦٢٧٨٣] كما قال ، نعم؛ حكمها من دار الكفر إلى دار الإسلام مستمرٌّ، وفي الحقيقة هي: مفارقة ما يكرهه الله تعالى إلى ما يحبُّه، وفي الحديث: «والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» [خ¦١٠]، و «دُنيا» بضمِّ الدَّال مقصورةٌ غير منوَّنةٍ للتَّأنيث والعلميَّة، وقد تُكسَر وتُنوَّن، وحُكِيَ عن الكُشْمِيهَنِيِّ فأُنكِر عليه، وأنَّه لا يعرف في اللُّغة التَّنوين، ولم يكن الكُشْمِيهَنِيُّ ممَّن يُرجَع إليه في ذلك (١). انتهى، والصَّحيح جوازه، قال في «القاموس»: والدُّنيا نقيض الآخرة، وقد تُنوَّن، وجمعها دُنَى. انتهى، واستدلُّوا له بقوله:

إنِّي مُقَسِّمٌ ما ملكتُ فجاعلٌ … أجرًا (٢) لآخرَتِي ودُنْيا تَنْفَعُ

فإنَّ ابن الأعرابيِّ أنشده منوَّنًا، وليس بضرورةٍ كما لا يخفى.


(١) في (م): «في اللُّغة».
(٢) في (ب) و (س): «جزءًا».

<<  <  ج: ص:  >  >>