للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأحاديث، وحينئذٍ فلا تمسُّك به لمن قال: إنَّه كان متمتِّعًا لكونه أقرَّ على أنَّه كان محرمًا بعمرةٍ؛ لأنَّ اللَّفظ محتملٌ للتَّمتُّع والقران، فتعيَّن بقوله في رواية عبيد الله بن عمر عند الشَّيخين [خ¦١٦٩٧]: «حتَّى أحلَّ من الحجِّ» أنَّه كان قارنًا، ولا يتَّجه القول بأنَّه كان متمتِّعًا لأنَّه لا جائز أن يُقال: إنَّه استمرَّ على العمرة خاصَّةً، ولم يحرم بالحجِّ أصلًا لأنَّه يلزم منه أنَّه لم يحجَّ تلك السَّنة، وهذا لا يقوله أحدٌ، وقد روى عنه أنَّه كان قارنًا: سعيدُ بن المُسيَّب كما في «البخاريِّ»، وأنسٌ في «الصَّحيحين»، وعمرانُ بن حُصَينٍ في «مسلمٍ»، وعمرُ بن الخطَّاب في «البخاريِّ»، والبراءُ في «سنن» أبي داود، وعليٌّ في «سنن النَّسائيِّ»، وسراقةُ وأبو طلحة عند أحمد، وأبو سعيدٍ وقتادة عند الدَّارقطنيِّ، وابنُ أبي أوفى عند البزَّار، والإفراد، أي: وروى الإفراد (١): ابنُ عمر وجابرٌ في «الصَّحيحين»، وابنُ عبَّاسٍ في «مسلمٍ»، وجُمِع بين القولين بأنَّه كان أوَّلًا مفردًا، ثمَّ أحرم بالعمرة بعد ذلك وأدخلها على الحجِّ، فعمدة رواة الإفراد أوَّل الإحرام، وعمدة رواة القران آخره، وأمَّا من روى أنَّه كان معتمرًا كابن عمر وعائشة وأبي موسى الأشعريِّ وابن عبَّاسٍ في «الصَّحيحين» وعمران بن حُصَينٍ في «مسلمٍ» فأراد التَّمتُّع اللُّغويَّ؛ وهو الانتفاع، وقد انتفع بالاكتفاء بفعلٍ واحدٍ، ويؤيِّد ذلك (٢) أنَّه لم يعتمر في تلك السَّنة عمرةً منفردةً، ولو جعلت حجَّته منفردة لكان غير معتمرٍ في تلك السَّنة، ولم يقل أحدٌ أنَّ الحج وحده أفضل من القران، وبهذا الجمع تنتظم الأحاديث، وقال إمامنا الشَّافعيُّ (٣) في «كتاب اختلاف الحديث»: معلومٌ في لغة العرب جواز إضافة الفعل إلى الآمر به كجواز إضافته إلى الفاعل؛ كقولك: بنى فلان دارًا إذا أمر ببنائها، وضرب الأمير فلانًا إذا أمر بضربه، ورجم النَّبيُّ ماعزًا وقطع سارقَ رداءِ صفوان، وإنَّما أمر بذلك، ومثلُه كثيرٌ في الكلام. وكان أصحاب رسول الله منهم القارن والمُفرِد والمُتمتِّع، وكلٌّ منهم يأخذ عنه أمر نسكه ويصدر عن فعله، فجاز أن تُضاف إلى رسول الله على معنى أنَّه أمر بها وأذن فيها. انتهى.

وقد أجمع العلماء كما قال النَّوويُّ وغيره: على جواز الأنواع الثَّلاثة: الإفراد والتَّمتُّع


(١) «أي: وروى الإفراد»: ليس في (ص) و (م).
(٢) في (د): «هذا».
(٣) في غير (ص) و (م): «».

<<  <  ج: ص:  >  >>