للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رمضان، قال في «قوت الأحياء»: ولم يصحَّ عنه أكثر منه، نعم؛ روى الأربعين سَوَّاربن مصعبٍ، وهو متروك الحديث، قاله الحاكم وغيره، وأمَّا قوله تعالى: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ﴾ [الأعراف: ١٤٢] فحجَّةٌ للشَّهر، والزِّيادة إتمامًا للثَّلاثين، حيث استاك أو أكل فيها كسجود السَّهو، فقوي تقييدها بالشَّهر وأنَّها سُنَّةٌ. نعم؛ الأربعون ثمرة (١) نتاج النُّطفة علقةً، فمضغةً، فصورةً، والدُّرُّ في صدفه، فإن قلت: أَمْرُ الغَارِ قبل الرِّسالة، فلا حكم له، أُجِيب: بأنَّه أوَّل ما بُدِئَ به من الوحي الرُّؤيا الصَّالحة، ثمَّ حُبِّبَ إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حِرَاء (٢) كما رَّ، فدلَّ على أنَّ الخلوة حكمٌ مرتَّبٌ على الوحي؛ لأنَّ كلمة «ثمَّ» للتَّرتيب، وأيضًا لو لم تكن من الدِّين لنَهى عنها، بل هي ذريعةٌ لمجيء الحقِّ، وظهوره مُبارَكٌ عليه وعلى أمَّته تأسِّيًا، وسلامةٌ من المناكير وضررها، ولها شروطٌ مذكورةٌ في محلِّها من كتب القوم، فإن قلت: لِمَ خصَّ حِرَاءَ بالتَّعبُّد فيه دون غيره؟ قال ابن أبي جمرَة: لمزيد فضله على غيره؛ لأنَّه منزوٍ مجموعٌ لتحنُّثه، ويَنظر منه الكعبة المعظَّمة، والنَّظر إليها عبادةٌ، فكان له فيه ثلاث عباداتٍ: الخلوة، والتَّحنُّث، والنَّظر إلى الكعبة، وعند ابن إسحاق: أنَّه كان يعتكف شهر رمضان، ولم يأتِ التَّصريح بصفة تعبُّده ، فيحتمل أنَّ عائشة رضي الله تعالى عنها أطلقت على الخلوة بمُجرَّدها تعبُّدًا، فإنَّ الانعزال عن النَّاس -ولا سيَّما من كان على باطلٍ- من جملة العبادة، وقِيلَ: كان يتعبَّد بالتَّفكُّر (قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ) بفتح أوَّله وكسر الزَّاي، قِيلَ: أي: يحنُّ ويشتاق ويرجع (إِلَى أَهْلِهِ): عياله (وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ) برفع الدَّال في «اليونينيَّة» لأبوَي ذَرٍّ والوقت، عطفًا على «يتحنَّث» (٣)، أي: يتَّخذ


(١) في (ب): «مدَّة».
(٢) في (ص) و (م): «بالغار».
(٣) قوله: «برفع الدَّال في اليونينيَّة لأبوَي ذَرٍّ والوقت، عطفًا على يتحنَّث» سقط من (م)، وفيها: «التَّحنُّث».

<<  <  ج: ص:  >  >>