للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والتَّقدير: فأقول: ما بال رجالٍ؟ فالأَولى: النَّقض بما وقع هنا في حديث عائشة: وأمَّا الذين جمعوا بين الحجِّ والعمرة طافوا، وبقوله : [خ¦١٥٥٥] «أمَّا موسى كأنِّي أنظر إليه إذ ينحدر في الوادي»، ولذا قال ابن مالكٍ في «التَّسهيل»: ولا بدَّ مع «أمَّا» من ذكر الفاء إلَّا في ضرورةٍ أو ندورٍ، وللكُشْمِيْهَنِيِّ: «فإنَّما طافوا» فأُتِي بالفاء قبل «إنَّما» في جواب «أمَّا»، وفي هذا الحديث دليلٌ على أنَّ القارن يجزيه طوافٌ واحدٌ، وهو مذهب مالكٍ والشَّافعيِّ وأحمد والجمهور، وكذا يجزيه سعيٌ واحدٌ، وقال أبو حنيفة في آخرين: عليه طوافان وسعيان، واستدلَّ لذلك في «فتح القدير» (١): بما رواه النَّسائيُّ في «سننه الكبرى» (٢) عن حمَّاد بن عبد الرَّحمن الأنصاريِّ، عن إبراهيم بن محمَّد ابن الحنفيَّة قال: طفت مع أبي وقد جمع الحجَّ والعمرة، فطاف لهما طوافين وسعى سعيين، وحدَّثني أنَّ عليًّا فعل ذلك. وحدَّثه أنَّ رسول الله فعل ذلك، قال العلَّامة ابن الهُمَام: وحمَّادٌ هذا وإن ضعَّفه الأزديُّ فقد ذكره ابن حبَّان في «الثِّقات»، فلا ينزل حديثه عن درجة الحسن، مع أنَّه روى عن عليٍّ بطرقٍ كثيرةٍ مُضعَّفةٍ ترتقي إلى الحسن، غير أنَّا تركناها واقتصرنا على ما هو الحجَّة بنفسه بلا ضمٍّ، قال: ورواه الشَّافعيُّ بسندٍ فيه مجهولٌ، وقال: معناه: أنَّه يطوف بالبيت حين يقدم، وبالصَّفا والمروة، ثمَّ يطوف بالبيت للزِّيارة. انتهى. وهو صريحٌ في مخالفة النَّصِّ عن عليٍّ، وقول ابن المنذر: -ولو كان ثابتًا عن عليٍّ كان قول رسول الله أَولى: «من أحرم بالحجِّ والعمرة أجزأه عنهما طوافٌ واحدٌ وسعيٌ واحدٌ» - مدفوعٌ (٣) بأنَّ عليًّا رفعه إلى رسول الله كما أسمعناك، فوقعت المعارضة، وكانت هذه الرِّواية أقيس بأصول الشَّرع فرجحت، وقد استقرَّ في الشَّرع أنَّ من ضمَّ عبادةً إلى أخرى أنَّه يفعل أركان كلٍّ منهما، والله أعلم بحقيقة الحال. انتهى. ولا ريب أنَّ العمل بما في «صحيح البخاريِّ» (٤) أَولى من حديثٍ لم يكن على رسم الصَّحيح على ما لا يخفى، وقد روى مسلمٌ من طريق أبي (٥) الزُّبير: أنَّه سمع جابر بن عبد الله


(١) في (ص): «التَّقدير»، وهو تحريفٌ، وفي (م): «الباري»، وليس بصحيحٍ.
(٢) عزاه في الفتح لعبد الرزاق والدارقطني وغيرهما من طرق ضعيفة.
(٣) في (د) و (ص): «مرفوعٌ»، ولعلَّه تحريفٌ.
(٤) في (د): «العمل في البخاريِّ».
(٥) (ب) و (س): «ابن»، وهو تحريفٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>