الآية نصٌّ على الوجوب ولا عدمه، ثمَّ بيَّنت عائشة أنَّ الاقتصار في الآية على نفي الإثم له سببٌ خاصٌّ، فقالت: (وَلَكِنَّهَا) أي: الآية (أُنْزِلَتْ فِي الأَنْصَارِ) الأوس والخزرج (كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا يُهِلُّونَ) يحجُّون (لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ) بميمٍ مفتوحةٍ فنونٍ مُخفَّفةٍ مجرورٌ بالفتحة للعلميَّة والتَّأنيث، وسُمِّيت «مناة» لأنَّ النَّسائك كانت تُمنَى، أي: تُراق عندها، وهي اسم صنمٍ كان في الجاهليَّة، و «الطَّاغية»: صفةٌ إسلاميَّةٌ لـ «مناة» (الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا عِنْدَ المُشَلَّلِ) بميمٍ مضمومةٍ فشينٍ معجمةٍ مفتوحةٍ فلامَيْنِ؛ الأولى مُشدَّدةٌ مفتوحةٌ: ثنيَّةٌ مشرفةٌ على قُدَيدٍ، زاد سفيان عن الزُّهريِّ: «بالمُشَلَّل من قُدَيدٍ» أخرجه مسلمٌ، وكان لغيرهم صنمان: بالصَّفا: إِسَافٌ -بكسر الهمزة وتخفيف السِّين المهملة- وبالمروة: نائلة -بالنُّون والهمزة والمدِّ- وقِيلَ: إنَّهما كانا رجلًا وامرأةً فزنيا داخل الكعبة فمسخهما الله حجرين فنُصِبا عند الكعبة، وقِيلَ: على الصَّفا والمروة ليعتبر النَّاس بهما ويتَّعظوا، ثمَّ حوَّلهما قصيُّ بن كلابٍ فجعل أحدهما ملاصق الكعبة والآخر لزمزم، ونحر عندهما وأمر بعبادتهما، فلمَّا فتح النَّبيُّ ﷺ مكَّة كسرهما (فَكَانَ مَنْ أَهَلَّ) من الأنصار (يَتَحَرَّجُ) أي: يحترز (١) من الإثم (أَنْ يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالمَرْوَةِ) كراهيةً لذينك الصَّنمين وحبَّهم صنمهم الذي بالمُشَلَّل، وكان ذلك سنَّةً في آبائهم، من أحرم لمناة لم يطف بين الصَّفا والمروة (فَلَمَّا أَسْلَمُوا) أي: الأنصار (سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ ﷺ عَنْ ذَلِكَ) أي: عن الطَّواف بهما، وسقط لأبي ذرٍّ لفظ «أسلموا» (قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا كُنَّا نَتَحَرَّجُ أَنْ نَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ) ولأبي ذرٍّ: «بالصَّفا والمروة» (فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ﴾ … الآية [البقرة: ١٥٨]) إلى آخرها،
(١) في (د): «يتحرَّز».
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute