لوقوعها في الابتداء، قال العلَّامة البدر الدَّمامينيُّ: وفُصِلَت هذه الجملة عن الأولى؛ لكونها جوابًا عن سؤالٍ اقتضته، وهو سؤالٌ عن سببٍ خاصٍّ، فَحَسُنَ التَّأكيد؛ وذلك أنَّها لمَّا أثبتت القول بانتفاء الخزي عنه وأقسمت عليه انطوى ذلك على اعتقادها أنَّ ذلك لسببٍ عظيمٍ، فيُقدَّر السُّؤال عن خصوصه، حتَّى كأنَّه قِيلَ: هل سبب ذلك هو الاتّصاف بمكارم الأخلاق ومحاسن الأوصاف كما يشير إليه كلامك؟ فقالت: إنَّك (لَتَصِلُ الرَّحِمَ) أي: القرابة (وَتَحْمِلُ الكَلَّ) بفتح الكاف وتشديد اللَّام، وهو الذي لا يستقلُّ بأمره، أو الثِّقْل؛ بكسر المُثلَّثة وإسكان القاف (وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ) بفتح المثنَّاة الفوقيَّة، أي: تعطي النَّاس ما لا يجدونه عند غيرك. و «كَسَبَ» يتعدَّى بنفسه إلى واحدٍ؛ نحو: كسبت المال، وإلى اثنين؛ نحو: كسبت غيري المال، وهذا منه، ولابن عساكر وأبي ذَرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ:«وتُكسِب» بضمِّ أوَّله من «أَكْسَب» أي: تُكْسِب غيرك المال المعدوم، أي: تتبرَّع له به، فحذف الموصوف وأقام الصِّفة مقامه، أو تعطي النَّاس ما لا يجدونه عند غيرك من نفائس الفوائد ومكارم الأخلاق، أو: تكسب المال وتصيب منه ما يعجز غيرك عن تحصيله، ثمَّ تجود به وتنفقه في وجوه المكارم. والرِّواية الأولى أصحُّ، كما قاله عيَّاضٌ، وعلى الرِّواية الثَّانية قال الخطَّابيُّ: الصَّواب: المُعدَم؛ بلا واوٍ، أي: الفقير؛ لأنَّ المعدوم لا يكسب، وأُجِيب: بأنَّه لا يمتنع أن يُطلَق على المُعدَم المعدومُ؛ لكونه كالمعدوم الميت الذي لا تصرُّف له، وفي «تهذيب الأزهريِّ» عن ابن الأعرابيِّ: رجلٌ عديمٌ: لا عقل له، ومعدومٌ: لا مال له، قال في «المصابيح»: كأنَّهم نزَّلوا وجود من لا مال له مَنْزلةَ العَدَم (وَتَقْرِي الضَّيْفَ) بفتح أوَّله بلا همزٍ ثلاثيًّا، قال الأُبِّيُّ: وسُمِعَ بضمِّها رباعيًّا، أي: تهيِّئ له طعامه ونُزُلَه (وَتُعِينُ عَلَى نَوَايبِ (١) الحَقِّ) أي: حوادثه، وإنَّما
(١) هكذا في (ج): نوائب بغير همزة في «اليونينيَّة»، منه، أقول: بل هي مهموزة، جمع «نائبة»، أو للاحتراز عن قولهم: نوائب الدهر، فالحقُّ هو الله تعالى.