للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والمُعجَمة وبالنَّصب خبر «كان» مقدَّرة عند الكوفيِّين، أو على الحال من الضَّمير المستكن في خبر «ليت»، وخبر «ليت» قوله: «فيها» أي: ليتني كائنٌ فيها حال الشَّبيبة والقوَّة لأنصرنَّك، أو على أنَّ «ليت» تنصب الجزأين، أو بفعلٍ محذوفٍ، أي: جُعِلتُ فيها جذعًا، وللأَصيليِّ وأبي ذَرٍّ عن الحَمُّويي: «جذعٌ» بالرَّفع خبر «ليت»، وحينئذٍ فالجارُّ يتعلَّق بما فيه من معنى الفعل، كأنَّه قال: يا ليتني شابٌّ فيها، والرِّواية الأولى أكثر وأشهر، والجذع: هو الصَّغير من البهائم، واستُعير للإنسان، أي: يا ليتني كنت شابًّا عند ظهور نبوَّتك حتَّى أقوى على المُبالَغة في نصرتك (لَيْتَنِي) وللأَصيليِّ: «يا ليتني» (أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ) من مكَّة، واستعمل «إذ» في المُستقبَل كـ «إذا» على حدِّ: ﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ﴾ [مريم: ٣٩]. قال ابن مالكٍ: وهو صحيحٌ (١)، وتعقَّبه البلقينيُّ: بأنَّ النُّحاة منعوا ورودُّه، وأوَّلوا ما ظاهره ذلك، فقالوا في مثل هذا: استعمل الصِّيغة الدَّالة على المضيِّ لتحقُّق وقوعه، فأنزلوه منزلته. ويقوِّي ذلك هنا أنَّ في رواية البخاريِّ في «التَّعبير»: «حين يخرجك قومك» [خ¦٦٩٨٢] وهو على سبيل المجاز كالأوَّل. وعُورِض: بأنَّ المؤوِّلين ليسوا (٢) النَّحويين، بل البيانيُّون، وبأنَّه كيف يمنع وروده مع وجوده في أفصح الكلام؟ وأُجِيب: بأنَّه لعلَّه أراد بمنع الورود ورودًا محمولًا على حقيقة الحال، لا على تأويل الاستقبال، فإن قلت: كيف تمنَّى ورقة مستحيلًا، وهو عود الشَّباب؟ أُجِيب: بأنَّه يسوغ تمنِّي المستحيل (٣) إذا كان في فعل خيرٍ، أو بأنَّ التَّمنِّي ليس مقصودًا على بابه، بل المُرَاد به: التَّنبيه على صحَّة ما أخبره به، والتَّنويه بقوَّة تصديقه فيما يجيء به، أو قاله على سبيل التَّحسُّر؛ لتحقُّقه عدم عَود الشَّباب.

(فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : أَوَ) بفتح الواو (مُخْرِجِيَّ هُمْ؟!) بتشديد الياء مفتوحةً؛ لأنَّ أصله: مخرجوني، جمع: مُخرجٍ من الإخراج، فحُذِفت نون الجمع للإضافة إلى ياء المتكلِّم، فاجتمعت ياء المتكلم وواو علامة الرَّفع وسُبِقت إحداهما بالسُّكون فأُبدِلت الواوُ ياءً وأُدغِمت، ثمَّ أُبدِلت الضَّمة التي كانت سابقة الواو كسرةً وفُتِحَت ياء «مخرجيَّ» تخفيفًا، و «هم»: مبتدأٌ خبره: «مخرجيَّ» مقدَّمًا، ولا يجوز العكس؛ لأنَّه يلزم منه الإخبار بالمعرفة


(١) في (د): «الصَّحيح».
(٢) في (ص) و (م): «ليس».
(٣) في (ص): «المحال».

<<  <  ج: ص:  >  >>