للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حَرَّمَ اللهُ) ﷿؛ بحذف الهاء، وللكُشْمِيْهَنِيِّ: «حرَّمه الله» (يَوْمَ خَلَقَ (١) السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ) فتحريمه أمرٌ قديمٌ وشريعةٌ سالفةٌ مستمرَّةٌ، وحكمه تعالى قديمٌ لا يتقيَّد بزمانٍ، فهو تمثيلٌ في تحريمه بأقربِ متصوَّرٍ لعموم البشر؛ إذ ليس كلُّهم يفهم معنى تحريمه في الأزل، وليس تحريمه ممَّا أحدث النَّاس، والخليل إنَّما أظهره مبلِّغًا عن الله لمَّا رفع البيت إلى السَّماء زمن الطَّوفان، وقِيل: إنَّه كتب في اللَّوح المحفوظ يوم خلق السَّموات والأرض: إنَّ الخليل سيحرِّم مكَّة بأمر الله (وَهُوَ حَرَامٌ) بواو العطف (بِحُرْمَةِ اللهِ) أي: بسبب حرمة الله، أو متعلَّقُ الباء محذوفٌ، أي: متلبِّسًا ونحو ذلك، وهو تأكيدٌ للتَّحريم (إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ القِتَالُ فِيهِ لأَحَدٍ قَبْلِي) بـ «لم» الجازمة، والهاء: ضمير الشَّأن، وفي رواية غير (٢) الكُشْمِيْهَنِيِّ كما هو مفهوم عبارة «الفتح»: «وإنَّه لا يحلُّ» والأوَّل أنسب لقوله: «قبلي» (وَلَمْ يَحِلَّ لِي) القتال فيه (إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ) خصوصيَّةً، ولا دلالة فيه على أنَّه قاتل فيه وأخذه عنوةً، فإنَّ حِلَّ الشَّيء لا يستلزم وقوعه، نعم ظاهره تحريم القتال بمكَّة، قال الماورديُّ فيما نقله عنه النَّوويُّ في «شرح مسلمٍ»: من خصائص الحرم ألَّا يُحارَب أهلهُ، فإن بغوا على أهل العدل؛ فقد قال بعض الفقهاء: يحرم قتالهم، بل يُضيَّق عليهم حتَّى يرجعوا إلى الطَّاعة ويدخلوا في أحكام أهل العدل، وقال الجمهور: يُقاتَلون على بغيهم إذا لم يمكن ردُّهم عن البغي إلَّا بالقتال لأنَّ قتال البغاة من حقوق الله تعالى التي لا يجوز إضاعتها، فحفظها في الحرم أَولى من إضاعتها، قال النَّوويُّ: وهذا الأخير هو الصَّواب، ونصَّ عليه الشَّافعيُّ في «الأمِّ»، وقال القفَّال في «شرح التَّلخيص»: لا يجوز القتال بمكَّة، حتَّى لو تحصَّن جماعةٌ من الكفَّار فيها لم يجز لنا قتالهم، وغلَّطه النَّوويُّ، وأمَّا القتل وإقامة الحدود فعن الشَّافعيِّ ومالكٍ: حكم الحرم كغيره، فيقام فيه الحدُّ ويُستوفى فيه القصاص، سواءٌ كانت الجناية في الحرم أو في الحلِّ ثمَّ لجأ إلى الحرم لأنَّ العاصي هتك حرمة نفسه، فأبطل ما جعل الله له من الأمن، وقال أبو حنيفة: إن كانت الجناية في الحرم استُوفِيت العقوبة فيه، وإن كانت في الحلِّ ثمَّ لجأ إلى الحرم لم تُستوفَ منه فيه، ويلجأ


(١) زيد في (ص): «الله».
(٢) «غير»: سقط من (د).

<<  <  ج: ص:  >  >>