للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال هِرَقْلُ لأبي سفيانَ: (وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ) «اللَّام» فيه لامُ الجحود لملازمتها النَّفي، وفائدتها: تأكيد النَّفي؛ نحو: ﴿لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ﴾ [النساء: ١٦٨] أي: لم يكن لِيَدَعَ (الكَذِبَ عَلَى النَّاسِ) قبل أن يظهر رسالته (وَيَكْذِبَ) بالنَّصب (عَلَى اللهِ) بعد إظهارها (وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ) غالبًا؛ لأنَّهم أهل (١) الاستكانة، بخلاف أهل الاستكبار المُصِرِّين على الشِّقاق بغيًا وحسدًا؛ كأبي جهلٍ، ويؤيِّد استشهاده على ذلك قوله تعالى: ﴿قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ﴾ [الشعراء: ١١١] المُفسَّر بأنَّهم الضُّعفاء على الصَّحيح، قال هرقل لأبي سفيانَ: (وَسَأَلْتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ أَمْرُ الإِيمَانِ) فإنَّه لا يزال في زيادةٍ (حَتَّى يَتِمَّ) بالأمور المُعتَبرة فيه؛ من صلاةٍ وزكاةٍ وصيامٍ وغيرها (٢)؛ ولهذا أُنزِل في آخر سِنيه : ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: ٣] (وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ) بالنُّون، وفي بعض النُّسخ: «حتَّى» بالمثنَّاة الفوقيَّة، وفي «آل عمران»: «وكذلك الإيمان إذا خالط» [خ¦٤٥٥٣] قال في «الفتح»: وهو يرجِّح أنَّ رواية «حتَّى» وهمٌ، والصَّواب -وهو رواية الأكثر-: «حين» (تُخَالِطُ) بالمثنَّاة الفوقيَّة (بَشَاشَتُهُ القُلُوبَ) بفتح المُوحَّدة والشِّينين المُعجَمتين وضمِّ التَّاء، وإضافته إلى ضمير «الإيمان»، و «القلوبَ»: نُصِبَ على المفعوليَّة، أي: تخالط بشاشةُ الإيمان


(١) في (د): «أصل».
(٢) المقصود هنا زيادة المؤمنين والتمكين لهم لا زيادة أحكام الإيمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>