للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

شرع لهم الاستراحة عقب ذلك بالإقامة بمنًى يوم النَّحر وثلاثة أيَّامٍ بعده، وأمرهم بالأكل فيها من لحوم الأضاحي، فهم في ضيافة الله تعالى فيها لطفًا من الله تعالى بهم ورحمةً، وشاركهم أيضًا أهلُ الأمصار في ذلك؛ لأنَّ أهل الأمصار شاركوهم في النَّصَبِ لله تعالى والاجتهاد في عشر ذي (١) الحجَّة بالصَّوم والذِّكر، والاجتهاد في العبادات، وفي التَّقرُّب إلى الله تعالى بإراقة دماء الأضاحي وفي حصول المغفرة، فشاركوهم في أعيادهم واشترك الجميع في الرَّاحة بالأكل والشُّرب، وصار المسلمون كلُّهم في ضيافة الله تعالى في هذه الأيَّام، يأكلون من رزقه ويشكرونه على فضله، ولمَّا كان الكريم لا يليق به أن يجيع أضيافه نُهُوا عن صيامها (إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الهَدْيَ) وفي رواية أبي عَوانة عن عبد الله بن عيسى عند الطَّحاويِّ: إلَّا لمتمتِّعٍ أو محصرٍ، أي: فيجوز له صيامها، وهذا مذهب مالكٍ وهو (٢) الرِّواية الثَّانية عن أحمد، واختاره ابن عبْدوسٍ في «تذكرته»، وصحَّحه في «الفائق»، وقدَّمه في «المُحرّر» و «الرِّعاية الكبرى»، وقال ابن مُنَجَّا في «شرحه»: إنَّه المذهب، وهو قول الشَّافعيِّ في (٣) القديم لحديث الباب، قال في «الرَّوضة»: وهو الرَّاجح دليلًا والصَّحيح من مذهب الشَّافعيِّ وهو القول الجديد، ومذهب الحنفيَّة: أنَّه يحرم صومها لعموم النَّهي، وهو الرِّواية الأولى عن أحمد، قال الزَّركشيُّ الحنبليُّ: وهي التي ذهب إليها أحمد أخيرًا، قال في «المبهج»: وهي الصَّحيحة. انتهى. وأمَّا قول الحافظ ابن حجرٍ: إنَّ الطَّحاويَّ قال: إنَّ قول ابن عمر وعائشة: لم يُرخَّص … إلى آخره، أخذاه من عموم قوله تعالى: ﴿فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ﴾ [البقرة: ١٩٦] لأنَّ قوله: ﴿فِي الْحَجِّ﴾ يعمُّ ما قبل يوم النَّحر وما بعده فتدخل أيَّام التَّشريق، قال في «الفتح»: وعلى هذا فليس بمرفوعٍ، بل هو بطريق الاستنباط عمَّا فَهِمَاه من عموم الآية، وقد ثبت نهيه عن صوم أيَّام التَّشريق وهو عامٌّ في حقِّ المتمتِّع وغيره، وعلى هذا فقد تعارض عموم الآية المشعر بالإذن وعموم الحديث المشعر بالنَّهي، وفي تخصيص عموم المتواتر بعموم الآحاد نظرٌ لو كان الحديث مرفوعًا، فكيف وفي كونه مرفوعًا نظرٌ؟! فعلى هذا يترجَّح القول بالجواز، وإلى هذا


(١) «ذي»: مثبتٌ من (ب) و (س).
(٢) زيد في (د ١) و (ص): «في».
(٣) «في»: ليس في (س).

<<  <  ج: ص:  >  >>