للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الثَّوريُّ (عَنْ أَبِي فَرْوَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ : الحَلَالُ بَيِّنٌ) واضحٌ لا يخفى حِلُّه، وهو ما علم ملكه يقينًا (وَالحَرَامُ بَيِّنٌ) واضحٌ لا تخفى حُرمتُه، وهو ما علم ملكه لغيره (وَبَيْنَهُمَا) أي: الحلال والحرام الواضحين (أُمُورٌ مُشْتَبِهَةٌ) بسكون الشِّين المعجمة وفتح المثنَّاةِ الفوقيَّة وكسر الموحَّدة بلفظ التَّوحيد، أي: مشتبهةٌ على بعض النَّاس، لا يُدرى أهي من الحلال أم من الحرام؟ لا أنَّها في نفسها مشتبهةٌ؛ لأنَّ الله تعالى بعث رسوله مُبيِّنًا للأمَّة جميع ما يحتاجونه في دينهم، كذا قرَّره البَرماويُّ كالكِرمانيِّ، وقال ابن المُنَيِّر: فيه دليلٌ على بقاء المجمَلات بعد النَّبيِّ ، خلافًا لمن منع من (١) ذلك، وتأوَّل ذلك من قوله تعالى: ﴿مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٣٨] وإنَّما المراد: أنَّ أصول البيان في كتاب الله تعالى، فلا مانع من الإجمال والاشتباه حتى يُستَنبط له البيان، ومع ذلك قد يتعذَّر البيان ويبقى التَّعارض، فلا يُطَّلَع على ترجيحٍ، فيكون البيان حينئذٍ الاحتياط، والاستبراء للعرض والدِّين والأخذ بالأشدِّ على قولٍ، أو يتخيَّر المجتهد على قول، أو يرجع إلى البراءة الأصليَّة، وكلُّ ذلك بيانٌ يُرجَعُ إليه عند الاشتباه من غير أن يُجحَد الإجمال أو الإشكال، قال ابن حجرٍ الحافظ: وفي الاستدلال بذلك نظرٌ، إلَّا إن أراد (٢) به مجملٍ في حقِّ بعضٍ دون بعضٍ، أو أراد الرَّدَّ على مُنكِري القياس فيحتمل ما قاله، والله أعلم. (فَمَنْ تَرَكَ مَا شُبِّهَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ) بضمِّ الشِّين وكسر الموحَّدة المشددَّة (كَانَ لِمَا اسْتَبَانَ) أي: ظهر حرمته (أَتْرَكَ) نصبٌ خبرُ «كان» (وَمَنِ اجْتَرَأَ) بالرَّاء، من الجراءة (عَلَى مَا يَشُكُّ) بفتح أوَّله وضمِّ ثانيه، ولأبي ذرٍّ: «يُشَكُّ» بضمِّ أوله وفتح ثانيه مبنيًّا للمفعول (فِيهِ مِنَ الإِثْمِ) بهمزة قطعٍ (أَوْشَكَ) بفتح الهمزة والمعجمة، أي: قرب (أَنْ يُوَاقِعَ مَا اسْتَبَانَ) أي: ظهر حرمته، فينبغي اجتناب ما اشتبه؛ لأنَّه إن كان في نفس الأمر حرامًا فقد برئ من تَبِعَتِه، وإن كان حلالًا فيُثاب على تركه بهذا القصد الجميل، وزاد في حديث «باب فضل من استبرأ لدينه» [خ¦٥٢]: «ألا وإنَّ لكل ملكٍ حمًى»


(١) «من»: مثبتٌ من (د) و (ص).
(٢) في (ص): «البيع».

<<  <  ج: ص:  >  >>