للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(وَالمَعَاصِي) الَّتي حرَّمها، كالقتل والسَّرقة (حِمَى اللهِ، مَنْ يَرْتَعْ حَوْلَ الحِمَى يُوشِكْ) بكسر المعجمة، أي: يقرب (أَنْ يُوَاقِعَهُ) أي: يقع فيه، شبَّه المكلَّف بالرَّاعي، والنَّفس البهيميَّة (١) بالأنعام، والمشبَّهات (٢) بما حول الحمى، والمعاصي بالحمى، وتناوله المشبَّهات (٣) بالرَّتع (٤) حول الحمى، فهو تشبيهٌ بالمحسوس الذي لا يخفى حاله، ووجه التَّشبيه حصول العقاب بعدم الاحتراز في ذلك، كما أنَّ الرَّاعي إذا جرَّه رعيُه حول الحمى إلى وقوعه استحقَّ العقاب لذلك، فكذا مَنْ أكثرَ من الشُّبهات وتعرَّض لمقدِّماتها وقع في الحرام، فاستحقَّ العقاب، قال في «فتح الباري»: واختُلِف في حكم المشبَّهات، فقيل: التَّحريم، وهو مردودٌ، وقيل الكراهة (٥)، وقيل: الوقف، وهو كالخلاف فيما قبل الشَّرع، وحاصلُ ما فسَّر به العلماء الشُّبهات أربعة أشياء:

أحدها: تعارض الأدلة.

ثانيها: اختلاف العلماء، وهي مُنتَزعةٌ من الأولى.

ثالثها: أنَّ المراد بها قسم المكروه لأنَّه يجتذبه جانبا الفعل والتَّرك.

رابعها: المراد بها: المباح، ولا يُمْكِنُ قائلَ هذا أن يحمله على متساوي الطَّرفين من كلِّ وجهٍ، بل يمكن حمله على ما يكون من قسم خلاف الأَوْلَى بأن يكون متساويَ الطرفين باعتبار ذاته، راجحَ الفعل أو التَّرك باعتبار أمرٍ خارجٍ، وقد كان بعضهم يقول: المكروه عَقَبةٌ بين العبد والحرام، فمن استكثر من المكروه تطرَّق إلى الحرام، والمباح عَقَبةٌ بينه وبين المكروه، فمن استكثر منه تطرَّق إلى المكروه.

ورواة هذا الحديث ما بين بصريٍّ ومكيٍّ وكوفيٍّ ونجَّاريٍّ (٦)، وإنَّما كرَّر طُرُقه ردًّا على ابن معين حيث حكى عن أهل المدينة أنَّ النُّعمان لم يصحَّ له سماعٌ من النَّبيِّ ، وقد أخرج


(١) في (د) و (س): «البهمية».
(٢) في (د): «والمشتبهات»، وكذا المواضع اللَّاحقة.
(٣) في (د): «المشتبهات».
(٤) في (د ١): «بالدَّفع»، ولعلَّه تحريفٌ.
(٥) قوله: «وقيل الكراهة» زيادة ضرورية من الفتح.
(٦) «ونجَّاريٍّ»: مثبتٌ من (د) و (ل) و (س).

<<  <  ج: ص:  >  >>