للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

طرقٍ، تارةً بالتَّقديم، وتارةً بالتَّأخير، فإن قلت: لِمَ لَمْ يذكر الإيمان بالأنبياء والملائكة وأسقط الجهاد؟ أُجِيب: بأنَّ الجهاد فرضُ كفايةٍ، ولا يتعيَّن إلَّا في بعض الأحوال، وإنَّما لم يذكر الإيمان بالأنبياء والملائكة؛ لأنَّ المُرَادُ بالشَّهادة تصديقُ الرَّسول فيما جاء به، فيستلزم جميع ما ذُكِرَ من المعتقدات (١).

وفي قوله: «بُنِيَ … » إلى آخره، استعارةٌ بأن يقدِّر الاستعارة في «بُنِيَ»، والقرينة في «الإسلام»؛ شبَّه ثبات الإسلام واستقامته على هذه الأركان الخمسة ببناء الخباء على هذه الأعمدة الخمسة، ثمَّ تسري الاستعارة من المصدر إلى الفعل، أو تكون مكنيَّةً بأن تكون الاستعارة (٢) في الإسلام، والقرينةُ «بُنِيَ» على التَّخييل بأن شبَّه الإسلام بالبيت، ثمَّ خُيِّل كأنَّه بيتٌ على المُبالغَة، ثمَّ أطلق الإسلام على ذلك المُخيَّل، ثمَّ خُيِّل له ما يلازم الخباء المُشبَّه به من البناء، ثمَّ أثبت له ما هو لازمُ البيتِ من البناء على الاستعارة التَّخييليَّة، ثمَّ نسبه إليه؛ ليكون قرينةً مانعةً من إرادة الحقيقة، ويجوز أن تكون استعارة بالكناية لأنَّه شبَّه الإسلام بمبنًى له دعائمُ، فَذَكَرَ المُشبَّه، وطوى ذِكْرَ المُشبَّه به، وذكر ما هو من خواصِّ المشبَّه به، وهو البناء، ويُسمَّى هذا استعارةً ترشيحيَّةً، ويجوز أن تكون استعارةً تمثيليَّةً؛ فإنَّه مثَّل حالة الإسلام مع أركانه الخمسة بحالة خباءٍ أُقِيمَ على خمسة أعمدةٍ، وقطبُها التي تدور عليه هو شهادة أنْ لا إله إلَّا الله، وبقيَّةُ شعب الإيمان كالأوتاد للخباء (٣)، وقال في «الفتح»: فإن قلت: الأربعة المذكورة بعد الشَّهادة مبنيَّةٌ على الشَّهادة؛ إذ لا يصحُّ شيءٌ منها إلَّا بعد وجودها، فكيف يُضمُّ مبنيٌّ إلى مبنيٍّ عليه في مسمًّى واحدٍ؟ أُجِيب: بجواز ابتناء أمرٍ على أمرٍ، يُبتَنى على الأمرين أمرٌ آخرُ، فإن قلت: المبنيُّ لابدَّ أن يكون غير المبنيِّ عليه، فالجواب: أنَّ المجموع غيرٌ من حيث الانفراد، عينٌ من حيث الجمع، ومثاله: البيت من الشَّعر، يُجعل على خمسة أعمدةٍ، أحدها أوسطُ، والبقيَّة أركانٌ، فما دام الأوسط قائمًا فمُسمَّى البيت موجودٌ ولو سقط مهما سقط من الأركان، فإذا سقط الأوسط سقط مُسمَّى


(١) في (ب) و (س): «الاعتقادات».
(٢) قوله: «ثمَّ تسري الاستعارة من المصدر إلى الفعل، أو تكون مكنيَّةً بأن تكون الاستعارة» سقط من (ص) و (م).
(٣) قوله: «وفي قوله: بُنِيَ … إلى آخره استعارة؛ … وبقيَّةُ شعب الإيمان كالأوتاد للخباء» ليس في (م).

<<  <  ج: ص:  >  >>