وسبعون» من غير شكٍّ، ورجَّح البيهقيُّ رواية البخاريِّ لعدم شكِّ سليمان، وعُورِض: بوقوع الشَّكِّ عنه عند أبي عوانة، ورجح لأنَّه المُتيقَّن، وما عداه مشكوكٌ فيه، لا يُقَال بترجيح رواية:«بضعٌ وسبعون» لكونها زيادة ثقةٍ؛ لأنَّا نقول: الذي زادها لم يستمرَّ على الجزم بها، لاسيَّما مع اتِّحاد المخرج، وهل المُرَاد حقيقة العدد أم المُبالَغة؟ قال الطِّيبيُّ: الأظهر لي معنى التَّكثير، ويكون ذكر «البضع» للتَّرقي؛ يعني: أنَّ شعب الإيمان أعدادٌ مُبهَمةٌ (١)، ولا نهاية لكثرتها، ولو أراد التَّحديد لم يُبهِم، وقال آخرون: المُرَاد حقيقة العدد، ويكون النَّصُّ وقع أوَّلًا على البضع والسِّتِّين؛ لكونه الواقع، ثمَّ تجدَّدت العشر الزَّائدة فنصَّ عليها، وقد حاول جماعةٌ عدَّها بطريق الاجتهاد، وللبيهقيِّ وعبد الجليل كتاب «شُعَب الإيمان».
(وَالحَيَاءُ) بالمدِّ، وهو في الشَّرع: خُلُقٌ يبعث على اجتناب القبيح، ويمنع من التَّقصير في حقِّ ذي الحقِّ، وهو هنا: مبتدأٌ، خبره:(شُعْبَةٌ) و (مِنَ الإِيمَانِ) صفةٌ لـ «شعبةٌ»، وإنَّما خصَّه هنا بالذِّكر؛ لأنَّه كالدَّاعي إلى باقي الشُّعب؛ لأنَّه يبعث على الخوف من فضيحة الدُّنيا والآخرة، فيأتمر وينزجر، ومن تأمَّل معنى الحياء ونظر في قوله ﵊:«استحيوا من الله حقَّ الحياء»، قالوا: إنَّا لنستحيي من الله يا رسول الله، والحمد لله، قال:«ليس ذلك، ولكنَّ الاستحياء من الله حقَّ الحياء أن يحفَظ الرَّأس وما وعى، والبطن وما حوى، ويذكرَ الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدُّنيا، وآثر الآخرة على الأولى، فمن يعمل ذلك؛ فقد استحيا من الله حقَّ الحياء»، ورأى العجب العجاب، قال الجنيد: الحياء يتولَّد من رؤية الآلاء ورؤية التَّقصير، فَلْيَذُقْ مَن مُنِحَ الفضلَ الإلهيَّ، ورُزِقَ الطبعَ السَّليم معنى إفراد «الحياء» بالذِّكر بعد دخوله في الشُّعَب، كأنَّه يقول: هذه شعبةٌ واحدةٌ من شُعَبه، فهل تُحصَى وتُعَدُّ شُعَبُها؟ هيهات! واعلم أنَّه لا يُقَال: إنَّ الحياء من الغرائز فلا يكون من الإيمان؛ لأنَّه قد يكون غريزَةً وقد يكون تخلُّقًا، إلَّا أنَّ استعماله على وفق الشَّرع يحتاج إلى اكتسابٍ وعلمٍ ونيَّةٍ، فمن ثمَّ كان من الإيمان مع كونه باعثًا على