الطَّاعات واجتناب المُخالَفات، وفي هذا الحديث دلالةٌ على قبول الإيمان الزِّيادةَ؛ لأنَّ معناه -كما قال الخطَّابيُّ-: إنَّ الإيمان الشَّرعيَّ اسمٌ لمعنًى ذي أجزاءٍ له أدنى وأعلى، والاسم يتعلَّق ببعض تلك (١) الأجزاء كما يتعلَّق بكلِّها، وقد زاد «مسلمٌ» على ما في «البخاريِّ»: «فأفضلُها قولُ: لا إله إلَّا الله، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطَّريق»، وتمسَّك به القائلون بأنَّ الإيمان فعلُ الطَّاعات بأسْرِها، والقائلون بأنَّه مُركَّبٌ من التَّصديق والإقرار والعمل جميعًا، وأُجِيب: بأنَّ المراد شُعَب الإيمان قطعًا لا نفس الإيمان، فإنَّ إماطة الأذى عن الطَّريق ليس داخلًا في أصل الإيمان حتَّى يكون فاقدُه غير مؤمنٍ، فلابدَّ في الحديث من تقدير مُضَافٍ، ثمَّ إنَّ في هذا الحديث تشبيه الإيمان بشجرةٍ ذاتِ أغصانٍ وشُعَبٍ، ومبناه على المَجاز؛ لأنَّ الإيمانَ -كما مرَّ في اللُّغة- التَّصديقُ، وفي عُرْفِ الشَّرع: تصديقُ القلب واللِّسان، وتمامه وكماله بالطَّاعات، فحينئذٍ الإخبار عن الإيمان بأنَّه بضعٌ وستُّون يكون من باب إطلاق الأصل على الفرع؛ لأنَّ الإيمان هو الأصلُ، والأعمالُ فروعٌ منه، وإطلاق الإيمان على الأعمال مَجازٌ؛ لأنَّها تكون عن الإيمان، وهذا مبنيٌّ على القول بقبول الإيمان الزِّيادةَ والنُّقصانَ، أمَّا على القول بعدم قبوله لهما؛ فليست الأعمال داخلةً في الإيمان، واستدلَّ لذلك: بأنَّ حقيقةَ الإيمان التَّصديقُ، ولأنَّه قد ورد في الكتاب والسُّنَّة عطف «الأعمال» على «الإيمان» كقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [لقمان: ٨] مع القطع بأنَّ العطف يقتضي المُغايرَة، وعدم دخول المعطوف في المعطوف عليه، وقد ورد أيضًا جعل الإيمان شرط صحَّة الأعمال كما في قوله تعالى: ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ [طه: ١١٢] مع القطع بأنَّ المشروط لا يدخل في الشَّرط لامتناع اشتراط الشَّيء لنفسه، وورد