للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(وَحِرْزًا) بكسر الحاء المهملة وبعد الرَّاء السَّاكنة زايٌ، أي: حصنًا (لِلأُمِّيِّينَ) للعرب يتحصَّنون به من (١) غوائل الشَّيطان، أو من سطوة العجم وتغلُّبهم، وسُمُّوا أمِّيِّين؛ لأنَّ أغلبهم لا يقرؤون ولا يكتبون (أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي سَمَّيْتُكَ المُتَوَكِّلَ) أي: على الله، لقناعته باليسير من الرِّزق، واعتماده على الله في النَّصر، والصَّبر على انتظار الفرج، والأخذ بمحاسن الأخلاق، واليقين بتمام وعد الله، فتوكَّل عليه، فسمَّاه المتوكِّل (لَيْسَ بِفَظٍّ) سيِّئ الخلق جافيًا (وَلَا غَلِيظٍ) قاسي القلب، وهو (٢) موافقٌ لقوله تعالى (٣): ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران: ١٥٩] ولا يعارض (٤) قوله تعالى: ﴿وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ٧٣] لأنَّ النَّفيَ محمولٌ على طبعه الذي جُبِل عليه، والأمر محمولٌ على المعالجة، أو النَّفي بالنِّسبة للمؤمنين، والأمر بالنِّسبة للكفَّار والمنافقين، كما هو مُصرَّحٌ به في نفس الآية، ويحتمل أن تكون هذه آيةً أخرى في التَّوراة لبيان صفته، وأن تكون حالًا، إمَّا من «المتوكِّل» أو من (٥) الكاف في «سمَّيتك»، وعلى هذا يكون فيه التفاتٌ من الخطاب إلى الغيبة، ولو جرى على النَّسق الأوَّل، لقال: لست بفظٍّ (وَلَا سَخَّابٍ) بتشديد الخاء المعجمة بعد السِّين المهملة، وهي لغةٌ أثبتها الفرَّاء وغيره، والصَّخَّاب -بالصَّاد- أشهرُ، أي: لا يرفع صوته على النَّاس لسوء خلقه، ولا يكثر الصِّياح عليهم (فِي الأَسْوَاقِ) بل يليِّن جانبه لهم ويرفق بهم، وفيه ذمُّ أهل السُّوق الذين يكونون بالصِّفة المذمومة من الصَّخب واللَّغط، والزِّيادة في المدحة والذَّمِّ لما يتبايعونه والأيمان الحانثة؛ ولهذا قال : «شرُّ البقاع الأسواق»؛ لما يغلب على أهلها من هذه الأحوال المذمومة (وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ) هو كقوله تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ﴾ [المؤمنون: ٩٦] (وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ) ما لم تُنتهَك حرمات الله تعالى (وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللهُ) يُميته (حَتَّى يُقِيمَ بِهِ المِلَّةَ العَوْجَاءَ) ملَّة إبراهيم، فإنَّها قد اعوجَّت في أيَّام الفترة، فزِيدت ونقصت، وغُيِّرت عن استقامتها، وأُميلت بعد قوامها، وما زالت كذلك حتَّى قام الرَّسول فأقامها بنفي ما كان عليه العرب من الشِّرك،


(١) في (د): «عن»، وكذا في الموضع اللَّاحق.
(٢) في (ب) و (س): «وهذا».
(٣) في (د): «لقول الله».
(٤) في (د): «يعارضه».
(٥) في (د): «وإمَّا من».

<<  <  ج: ص:  >  >>