للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

زائغٌ عن الحقِّ إذ قد صحَّ أنَّه كان أنصاريًّا ولم تكن الأنصار من جملة اليهود، ولو كان مغموصًا عليه في دينه لم يصفوه بهذا الوصف، فإنَّه وصف مدحٍ، والأنصار وإن وُجِد فيهم من يُرمَى بالنِّفاق فإنَّ القرن الأوَّل والسَّلف بعدهم احترزوا أن يطلقوا على من ذُكِرَ بالنِّفاق واشتُهِر به الأنصاريَّ، والأَولى أن يُقال: أزلَّه الشَّيطان فيه بتمكُّنه منه عند الغضب، وغير مُستنكَرٍ من الصِّفات البشريَّة الابتلاء بمثل ذلك إلَّا من المعصوم. انتهى. قال النَّوويُّ: قالوا: ولو صدر مثل هذا الكلام من إنسانٍ كان كافرًا، تجري على قائله أحكام المرتدِّين من القتل، وإنَّما تركه النَّبيُّ ؛ لأنَّه كان في أوَّل الإسلام يتألَّف النَّاس ويدفع بالتي هي أحسن، ويصبر على أذى المنافقين، ويقول: «لا يتحدَّث النَّاس أنَّ محمَّدًا يقتل أصحابه» (فَتَلَوَّنَ) أي: تغيَّر (وَجْهُ رَسُولِ اللهِ ) من الغضب لانتهاك حرمات (١) النُّبوَّة، وقبيح كلام هذا الرَّجل (ثُمَّ قَالَ) : (اسْقِ يَا زُبَيْرُ) بهمزة وصلٍ (ثُمَّ احْبِسِ المَاءَ) بهمزة وصلٍ أيضًا، أي: أمسك نفسك عن السَّقي (حَتَّى يَرْجِعَ) أي: يصير (٢) الماء (٣) (إِلَى الجَدْرِ) بفتح الجيم وسكون الدَّال المهملة: ما وُضِع بين شَرَبات النَّخل كالجدار، أو الحواجز التي تحبِسُ الماءَ، وقال القرطبيُّ: هو أن يصل الماء إلى (٤) أصول النَّخل، قال: ويُروَى: بكسر الجيم وهو الجدار، والمراد به: جدران الشَّرَبَات، وهي الحُفَر التي تُحفَر في أصول النَّخل، قال في «شرح السُّنَّة»: قوله في الأوَّل: «اسقِ يا زبير، ثمَّ أرسل الماء إلى جارك» كان أمرًا للزُّبير بالمعروف، وأخذًا بالمسامحة وحُسْن الجوار، لترك بعض حقِّه دون أن يكون حكمًا منه، فلمَّا رأى الأنصاريَّ يجهل موضع حقِّه، أمر الزبير باستيفاء تمام حقِّه (فَقَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللهِ، إِنِّي لأَحْسِبُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ﴾) أي: فوربِّك، و «لا» مزيدةٌ لتأكيد القسم، لا لتظاهر «لا» في قوله: (﴿لَا يُؤْمِنُونَ﴾) لأنَّها تُزاد أيضًا في الإثبات، كقوله تعالى: ﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ [البلد: ١] (﴿حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [النساء: ٦٥]) فيما


(١) في (د): «حرمة».
(٢) في (ب): «يصل».
(٣) في (د ١): «يرجع الماء، أي: يصير».
(٤) «إلى»: ليس في (د).

<<  <  ج: ص:  >  >>