للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بلقطة مكَّة كما صرَّح به الدَّارميُّ والرُّويانيُّ، وقضيَّة كلام صاحب «الانتصار»: أنَّه (١) كحرم مكَّة كما في حرمة الصَّيد، وجرى (٢) عليه البلقينيُّ؛ لما روى أبو داود بإسنادٍ صحيحٍ في حديث المدينة: «ولا تُلتقَط لقطتها إلَّا لمن أشاد بها»، وهو بالشِّين المعجمة ثمَّ الدَّال المهملة، أي: رفع صوته، وقال جمهور المالكيَّة وبعض الشَّافعيَّة: لقطة مكَّة كغيرها من البلاد، ووافق جمهورَ الشَّافعيَّة من المالكيَّة الباجيُّ وابن العربيِّ؛ تمسُّكًا بحديث الباب، لكن قال ابن عرفة منتصرًا لمشهور مذهب المالكيَّة: والانفصال عن التَّمسُّك به على قاعدة مالكٍ في تقديمه العمل على الحديث الصَّحيح حسبما ذكره ابن يونس في «كتاب الأقضية»، ودلَّ عليه استقراء المذهب، وقال ابن المنيِّر: مذهب مالكٍ التَّمسُّك بظاهر الاستثناء؛ لأنَّه نفى الحلَّ واستثنى المنشِد، والاستثناء من النَّفي إثباتٌ، فيكون الحلُّ ثابتًا للمنشد، أي: المُعرِّف، يريد: بعد قيامه بوظيفة التَّعريف، وإنَّما يريد (٣) على هذا: أنَّ مكَّة وغيرها بهذا الاعتبار في تحريم اللُّقطة قبل التَّعريف، وتحليلها بعد التَّعريف واحدٌ، والسِّياق يقتضي اختصاصها عن غيرها، والجواب: أنَّ الذي أشكل على غير مالكٍ (٤) إنَّما هو تعطيل المفهوم، إذ مفهوم اختصاص مكَّة بحلِّ اللُّقطة بعد التَّعريف (٥) وتحريمها قبله أنَّ غير مكَّة ليس كذلك، بل (٦) تحلُّ لقطته مطلقًا، أو تحرم مطلقًا، وهذا لا قائل به، فإذا آل الأمر إلى هذا، فالخطب سهلٌ (٧) يسيرٌ، وذلك أنَّا اتَّفقنا على أنَّ التَّخصيص إذا خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له، وكذلك نقول هنا: الغالب أنَّ لقطة مكَّة ييْئَس ملتقطها من صاحبها لتفرُّق الخلق عنها إلى الآفاق البعيدة، فربَّما داخله الطَّمع فيها من أوَّل وهلةٍ، فاستحلَّها قبل التَّعريف، فخصَّها الشَّارع بالنَّهي عن استحلال لقطتها قبل التَّعريف لاختصاصها بما ذكرناه، فقد ظهر للتَّخصيص فائدةٌ سوى المفهوم، فسقط الاحتجاج به (٨)،


(١) في (ب) و (س): «أنَّ حرمها».
(٢) في (د): «كما جرى».
(٣) في (س): «يزيد».
(٤) في (ص): «مكَّة»، ولعلَّه تحريفٌ.
(٥) في غير (م): «التَّحريم»، ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.
(٦) في (د): «قيل»، ولعلَّه تحريفٌ.
(٧) «سهلٌ»: ليس في (د) و (ص) و (م).
(٨) «به»: ليس في (د).

<<  <  ج: ص:  >  >>