للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حتَّى يفعل المقصود، وكذا قاصد الزَّكاة والنِّكاح وغيرها (١)؛ كذلك ينبغي أن يكون (٢) قاصد الطَّلاق، ثمَّ قول القائل: يقع الطَّلاق بالقصد متدافعٌ، وحاصله: يقع ما لم يوقعه المُكلَّف؛ إذ القصد ضرورةٌ يفتقر إلى مقصود النِّيَّة، فكيف يكون القصدُ نفسَ المقصود؟ هذا قلبٌ للحقائق، فمن هنا اشتدَّ الإنكار حتَّى حُمِل على التَّأويل، والذي يرفع الإشكال أنَّ النِّيَّة التي أُريدت هنا هي الكلام النَّفسيُّ الذي يُعبَّر عنه بقول القائل: أنت طالقٌ، فالمعنى الذي هذا لفظه هو المراد بالنِّيَّة، وإيقاع الطَّلاق على من تكلَّم بالطَّلاق وأنشأه حقيقةً لا ريب فيه، وذلك أنَّ الكلام يُطلَق على النَّفسيِّ حقيقةً، وعلى اللَّفظيِّ، قيل: حقيقةً، وقيل: مجازًا، ولهذا نقول: قاصد الإيمان مؤمنٌ؛ لأنَّ المتكلِّم بالإيمان (٣) كلامًا نفسيًّا مصدِّقًا عن معتقده مؤمنٌ، وكذلك المعتقد الكفر بقلبه المصدِّق له كافرٌ، وأمَّا المتكلِّم في نفسه بإحرام الصَّلاة وبالقراءة، فإنَّما لم يُعَدَّ مصلِّيًا ولا قارئًا بمُجرَّد الكلام النَّفسيِّ لتعبُّدِ الشَّرعِ في هذه المواضع الخاصَّة بالنُّطق اللَّفظيِّ، ألا ترى أنَّ المتكلِّم بإحرام الحجِّ في نفسه محرمٌ وإن لم يلبِّ، وكذلك المُخيَّرة إذا تستَّرت (٤)، ونقلت قماشها، ونحو ذلك كان ذلك (٥) اختيارًا للطلاق وإن لم تتكلَّم بلفظٍ؛ لأنَّها قد تكلَّمت في نفسها ونصبتْ هذه الأفعالَ دلالاتٍ على الكلام النَّفسيِّ، فإنَّ الدَّليل عليه لا يَخُصُّ النُّطقَ، بل تدخل فيه الإشارات والرُّموز والخطوط ولهذا كانت المعاطاة عنده بيعًا؛ لدلالتها على الكلام النَّفسيِّ عرفًا، فاندفع السُّؤال وصار ما كان مشكلًا هو اللَّائح. انتهى. وهذا نقضه الخطَّابيُّ بالظِّهار، فإنَّهم أجمعوا على أنَّه لو عزم على الظِّهار


(١) في (ب) و (س): «وغيرهما».
(٢) «أن يكون»: مثبتٌ من (ج) و (ب) و (س).
(٣) في (د): «لأنَّ المتكلِّم بالكلام»، والمثبت موافقٌ لما في «المصابيح» (٥/ ٤٢٢).
(٤) في (ب): «استترت»، وفي (م): «اشترت»، والمثبت موافقٌ لما في «المصابيح» (٥/ ٤٢٣).
(٥) «ذلك»: ليس في (م).

<<  <  ج: ص:  >  >>