للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بقوله: (وَسَلِ الجَارِيَةَ) بريرة (تَصْدُقْكَ) بالجزم على الجزاء، ففوَّض عليٌّ الأمر في ذلك إلى نظره ، فكأنَّه قال: إن أردت تعجيل الرَّاحة ففارقْها، وإن أردت خلاف ذلك، فابحث عن حقيقة الأمر إلى أن تطَّلع على براءتها؛ لأنَّه كان يتحقَّق أنَّ بريرة لا تخبره إلَّا بما علمتْه، وهي لم تعلم من عائشة إلَّا البراءة المحضة (فَدَعَا رَسُولُ اللهِ بَرِيرَةَ) قال الزَّركشيُّ: قيل: إنَّ هذا وهم، فإنَّ بريرة إنَّما اشترتها عائشة، وأعتقتها قبل ذلك، ثمَّ قال: والمخلص من هذا الإشكال أنَّ تفسير الجارية ببريرة مدرَج في الحديث من بعض الرُّواة ظنًّا منه أنَّها هي (١). قال (٢) في «المصابيح»: وهذا -أي: الَّذي قاله الزَّركشيُّ- ضِيقُ عَطنٍ، فإنَّه لم يرفع (٣) الإشكال إلَّا بنسبة الوهم إلى الرَّاوي، قال: والمخلص عندي من الإشكال الرَّافع لتوهيم الرُّواة وغيرهم أن يكون إطلاق الجارية على بريرة وإن كانت معتَقَة إطلاقًا مجازيًّا باعتبار ما كانت عليه، فاندفع الإشكال ولله الحمد. انتهى. وهذا الَّذي قاله في «المصابيح» بناء على أسبقيَّة عتق بريرة، وفيه نظر؛ لأنَّ قصَّتها إنَّما كانت بعد فتح مكَّة؛ لأنَّها لمَّا خُيِّرت فاختارت نفسها كان زوجها يتبعها (٤) في سكك المدينة، يبكي عليها، فقال رسول الله للعبَّاس: «يا عبَّاس، ألا تعجب من حبِّ مغيث بريرة؟!» ففيه دلالة على أنَّ قصَّة بريرة كانت متأخِّرة في السَّنة التَّاسعة أو العاشرة؛ لأنَّ العبَّاس إنَّما سكن المدينة بعد رجوعهم من غزوة الطَّائف، وكان ذلك في أواخر (٥) سنة ثمانٍ، ويؤيِّد ذلك قول ابن عبَّاس: إنَّه شاهد ذلك، وهو إنَّما قدم المدينة مع أبويه، وأيضًا فقول عائشة: «إن شاء مواليك أن أعدَّها لهم عدَّة واحدة» فيه إشارة إلى وقوع ذلك في آخر الأمر؛ لأنَّهم كانوا في أوَّل الأمر في غاية الضِّيق ثمَّ حصل لهم التَّوسع بعد الفتح، وقصَّة الإفك في المريسيع سنة ستٍّ أو سنة أربع، وفي ذلك ردٌّ على من زعم أنَّ قصَّتها كانت


(١) «هي»: سقط من (ص).
(٢) في (ص): «قالت».
(٣) في (د): «يدفع».
(٤) في (ص): «يتتبعها».
(٥) في (ص): «آخر».

<<  <  ج: ص:  >  >>