للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المُعجَّلة، أو لأنَّ العرب كانت تدفع المال للسَّخاء والجود، فنبَّه بالفرض على رفض ما كانوا عليه، قال الزَّركشيُّ: والظَّاهر أنَّها للتَّأكيد، وفي رواية مسلمٍ (١): «تقيم الصَّلاة المكتوبة، وتؤتي الزَّكاة المفروضة» (وَتَصُومَ رَمَضَانَ) ولم يذكر الحجَّ؛ إمَّا ذهولًا أو نسيانًا من الرَّاوي، ويدلُّ له مجيئه في رواية كَهْمَس: «وتحجَّ البيت إنِ استطعتَ إليه سبيلًا»، وقِيلَ: لأنَّه لم يكن فُرِضَ، ودُفِعَ بأنَّ في رواية ابن منده بسندٍ على شرط مسلمٍ: أنَّ الرَّجل جاء في آخر عمره ، ولم يذكر «الصَّوم» في رواية عطاء الخراسانيِّ، واقتصر في حديث أبي عامرٍ على «الصَّلاة والزَّكاة»، ولم يزد في حديث ابن عبَّاسٍ على «الشَّهادتين»، وزاد سليمان التَّيميُّ بعد ذكر الجميع: الحجَّ والاعتمار، والاغتسال من الجنابة، وإتمام الوضوء، وقد وقع هنا التَّفريق بين الإيمان والإسلام، فجعل الإيمان عمل القلب، والإسلام عمل الجوارح، فالإيمان لغةً: التَّصديق مُطلَقًا، وفي الشَّرع: التَّصديق والنُّطق معًا، فأحدهما ليس بإيمانٍ، أمَّا التَّصديق فإنَّه لا ينجِّي وحده من النَّار، وأمَّا النُّطق فهو وحده نِفَاقٌ، فتفسيره في الحديث «الإيمان» بالتَّصديق و «الإسلام» بالعمل إنَّما فسَّر به إيمان القلب والإسلام في (٢) الظَّاهر، لا الإيمان الشَّرعيَّ والإسلام الشَّرعيَّ، والمؤلِّف يرى أنَّهما والدِّين عباراتٌ عن واحدٍ، والمتَّضح أنَّ محلَّ الخلاف إذا أُفْرِدَ لفظُ أحدِهما، فإنِ اجتمعا تغايرا، كما وقع هنا، ثمَّ (قَالَ) جبريل: يا رسول الله (مَا الإِحْسَانُ؟) مبتدأٌ وخبرٌ، و «ال» للعهد، أي: ما الإحسان المتكرِّر في القرآن المترتِّب عليه الثَّواب؟ (قَالَ) رسول الله مُجِيبًا له: الإحسان: (أَنْ تَعْبُدَ اللهَ) أي: عبادتُك اللهَ تعالى حال كونك في عبادتك له (كَأَنَّكَ تَرَاهُ) أي: مثل حال كونك رائيًا له (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ) فاستمِرَّ على إحسان العبادة (فَإِنَّهُ) ﷿ (يَرَاكَ) دائمًا، والإحسان: الإخلاص، أو إجادة العمل، وهذا من جوامع كَلِمِهِ ؛ إذ هو شاملٌ لمَقام المُشاهَدَة ومقام المُراقَبَة، ويتَّضح لك


(١) في (م): «لمسلم».
(٢) «في»: سقط من (م).

<<  <  ج: ص:  >  >>