للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذلك بأن تعرف أنَّ للعبد في عبادته ثلاثَ مقاماتٍ:

الأوَّل: أن يفعلها على الوجه الذي تسقط معه وظيفة التَّكليف؛ باستيفاء الشَّرائط والأركان.

الثَّاني: أن يفعلها كذلك وقد استغرق في بحار المُكاشَفَة، حتَّى كأنَّه يرى الله تعالى، وهذا مقامه ؛ كما قال: «وجُعِلَتْ قُرَّةُ عيني في الصَّلاة»؛ لحصول الاستلذاذ بالطَّاعة، والرَّاحة بالعبادة، وانسداد مسالك الالتفات إلى الغير باستيلاء أنوار الكشف عليه؛ وهو ثمرة امتلاء زوايا القلب من المحبوب، واشتغال السِّرِّ به، ونتيجته: نسيان الأحوال من المعلوم (١)، واضمحلال الرُّسوم.

الثَّالث: أن يفعلها وقد غلب عليه أنَّ الله تعالى يشاهده، وهذا هو مقام المُراقَبَة (٢).

فقوله: «فإن لم تكن تراه» نزولٌ عن مقام المُكاشَفَة إلى مقام المُراقَبَة، أي: إن لم تعبده وأنت من أهل الرُّؤية المعنويَّة فاعبده وأنت بحيث إنَّه يراك، وكلٌّ من المقامات الثَّلاثة إحسانٌ، إلَّا أنَّ الإحسان الذي هو شرطٌ في صحَّة العبادة إنَّما هو الأوَّل؛ لأنَّ الإحسان بالأخيرين (٣) من صفة الخواصِّ، ويتعذَّر من كثيرين، وإنَّما أخَّر السُّؤال عن الإحسان لأنَّه صفة الفعل، أو شرطٌ في صحَّته، والصِّفة بعد الموصوف، وبيان الشَّرط متأخِّرٌ عن المشروط، قاله أبو عبد الله الأُبِّيُّ، ثمَّ (قَالَ) جبريل: يا رسول الله (٤) (مَتَى) تقوم (السَّاعَةُ؟) اللَّام للعهد، والمُرَاد: يوم القيامة (قَالَ: مَا) أي: ليس (المَسْؤُولُ) زاد في رواية أبي ذَرٍّ: «عنها» (بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ) بزيادة «المُوحَّدة» في «أعلم» لتأكيد (٥) معنى النَّفيِ، والمُرَاد نفيُ علمِ وقتها لأنَّ عِلْمَ مجيئِها مقطوعٌ به، فهو علمٌ مُشتَرَكٌ، وهذا وإن أشعر بالتَّساوي في العلم إلَّا أنَّ المُرَاد التَّساوي في العلم


(١) في (م): «العلوم».
(٢) ينظر في الفرق بين هذا المقام وما قبله.
(٣) في (ب) و (س): «بالآخرين».
(٤) «يا رسول الله»: سقط من (س).
(٥) في (س): «لتأكد».

<<  <  ج: ص:  >  >>