للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثمَّ نفخ الله فيه (١) من روحه، فكان أوَّلَ ما جرى فيه الرُّوح بصرُه وخياشيمُه، فعطس فقال: الحمد لله. فقال الله: يرحمك ربُّك … » الحديث.

وفي حديث أبي موسى ممَّا أخرجه أبو داود وصحَّحه ابن حبَّان مرفوعًا: «إنَّ الله خلق آدم من قبضةٍ قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض» ففي هذا أنَّ الله تعالى لمَّا أراد إبراز آدم من العدم إلى الوجود قلبه في ستَّة أطوارٍ: طور التُّراب، وطور الطِّين اللَّازب، وطور الحمأ، وطور الصَّلصال، وطور التَّسوية، وهو جعل الخزفة الَّتي هي الصَّلصال عظمًا ولحمًا ودمًا، ثمَّ نفخ فيه الرُّوح، وقد خلق الله تعالى الإنسان على أربعة أضربٍ: إنسانٍ من غير أبٍ ولا أمٍّ، وهو آدم، وإنسانٍ من أبٍ لا غير، وهو حوَّاء، وإنسانٍ من أمٍّ لا غير، وهو عيسى، وإنسانٍ من أبٍ وأمٍّ، وهو الَّذي ﴿خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ﴾ [الطارق: ٦ - ٧] يعني: من صلب الأب وترائب الأمِّ، وهذا الضَّرب يتمُّ بعد ستَّة أطوارٍ أيضًا: النُّطفة، ثمَّ العلقة، ثمَّ المضغة، ثمَّ العظام، ثمَّ كسوة العظام لحمًا، ثمَّ نفخ الرُّوح فيه، وقد شرَّف الله تعالى هذا الإنسان على سائر المخلوقات، فهو صفوة العالم وخلاصته وثمرته، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: ٧٠] ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ﴾ [الجاثية: ١٣] ولا ريب أنَّ من خُلِقتْ لأجله وبسببه (٢) جميع المخلوقات -علويُّها وسفليُّها- خليقٌ بأن يرفلَ في ثياب الفخر على من عداه، وتمتدَّ إلى اقتطاف زهرات النُّجوم يداه، وقد خلقه الله تعالى واسطةً بين شريفٍ -وهو الملائكة- ووضيعٍ -وهو الحيوان- ولذلك كان فيه قوى العالمين، وأهلًا لسكنى الدَّارين، فهو كالحيوان في الشَّهوة (٣)، وكالملائكة في العلم والعقل والعبادة، وخصَّه برتبة النُّبوَّة، واقتضت الحكمة أن تكون شجرة النُّبوَّة صنفًا مفردًا ونوعًا واقعًا بين الإنسان والملك، ومشاركًا لكلِّ واحدٍ منهما على وجهٍ، فإنَّه كالملائكة في الاطِّلاع على ملكوت السَّموات والأرض، وكالبشر في أحوال المطعم والمشرب، وإذا طهر الإنسان من نجاسته النَّفسيَّة وقاذوراته البدنيَّة (٤) وجُعِل في جوار الله كان حينئذٍ أفضل من الملائكة، قال (٥) تعالى: ﴿وَالمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ﴾ [الرعد: ٢٣] وفي الحديث: «الملائكة


(١) «فيه»: ليس في (ص).
(٢) في غير (د) و (م): «سببه».
(٣) في (م): «الشَّهوات».
(٤) في (ص): «الدَّنيَّة».
(٥) زيد في غير (د) و (س): اسم الجلالة.

<<  <  ج: ص:  >  >>