للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مكَّة» من طريق عطاء بن السَّائب عن سعيد بن جُبَيرٍ: «أنَّها نادته ثلاثًا، فأجابها في الثَّالثة، فقالت له: من أمرك بهذا؟ قال: الله» (قَالَتْ: إِذًا لَا يُضَيِّعُنَا) وفي رواية ابن جُريجٍ: «فقالت: حسبي» (ثُمَّ رَجَعَتْ) إلى موضع الكعبة (فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ (١)) -بالمثلَّثة وكسر النُّون وتشديد التَّحتيَّة- بأعلى مكَّة؛ حيث دخل النَّبيُّ مكَّة (حَيْثُ لَا يَرَوْنَهُ اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ البَيْتَ) أي: موضعه (ثُمَّ دَعَا بِهَؤُلَاءِ (٢) الكَلِمَاتِ) ولأبي ذرٍّ: «بهؤلاء الدَّعوات» (وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: رَبِّ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ: «﴿رَّبَّنَا﴾» وهو الموافق للتَّنزيل (﴿إِنِّي أَسْكَنتُ﴾) ذرِّيَّةً (﴿مِن ذُرِّيَّتِي﴾) فالجارَّ صفةٌ لمفعولٍ محذوفٍ، أو ﴿مِن﴾ مزيدةٌ عند الأخفش، والمراد بالذُّرِّيَّة: إسماعيل ومن وُلِد منه؛ فإنَّ إسكانه متضمِّنٌ لإسكانهم (﴿بِوَادٍ﴾) أي: في وادٍ وهو مكَّة (٣) (﴿غَيْرِ ذِي زَرْعٍ﴾) قال في «الكشَّاف»: لا يكون فيه شيءٌ من زرعٍ قطُّ، كقوله: ﴿قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ﴾ بمعنى: لا يوجد فيه اعوجاجٌ، ما فيه إلَّا الاستقامة لا غير. انتهى. قال الطِّيبيُّ: هذه المبالغة يفيدها معنى الكناية، لأنَّ نفي الزَّرع يستلزم كون الوادي غير صالحٍ للزَّرع، ولأنَّه نكرةٌ في سياق النَّفي (﴿عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ﴾) الَّذي يحرم عنده ما لا يحرم عند غيره، أو حرَّمْتَ (٤) التَّعرض له والتَّهاون به، أو لم يزل مُعظَّمًا يهابه كلُّ جبَّارٍ، أو حَرُمَ من الطُّوفان، أي: مُنِعَ منه، كما سُمِّي عتيقًا لأنَّه أُعتِق من الطُّوفان، أو لأنَّه موضع البيت حُرِّم يوم خَلْقِ السَّموات والأرض، وحُفَّ بسبعةٍ (٥) من الملائكة (حَتَّى بَلَغَ: ﴿يَشْكُرُونَ﴾ [إبراهيم: ٣٧]) أي: تلك النِّعمة. قال في «الكشَّاف»: فأجاب الله تعالى دعوة خليله فحرَّمه (٦) فجعله ﴿حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [القصص: ٥٧] رزقًا من لدنه، ثمَّ فضَّله في وجود أصناف الثِّمار (٧) فيه على كلِّ ريفٍ، وعلى أخصب البلاد وأكثرها ثمارًا، وفي أيِّ بلدٍ من بلاد الشَّرق والغرب ترى الأعجوبة الَّتي يريكها الله تعالى بوادٍ غير ذي زرعٍ، وهي اجتماع البواكير والفواكه المختلفة الأزمان من الرَّبيعيَّة والصَّيفيَّة والخريفيَّة في يومٍ واحدٍ،


(١) في (ص): «بالثَّنيَّة».
(٢) في (د): «بهذه».
(٣) في (د): «وادي مكَّة».
(٤) في (ص): «حرَّم».
(٥) في (د): «بسبعٍ».
(٦) «فحرَّمه»: مثبتٌ من (د).
(٧) «الثمار»: ليس في (ص).

<<  <  ج: ص:  >  >>