للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

«الكشَّاف»: فإن قلت: فما للقصَّة لم تُقَصَّ على ترتيبها؟ وكان حقُّها أن يقدِّم ذكر القتيل والضَّرب ببعض البقرة على الأمر بذبحها، وأن يُقال: ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا﴾ [البقرة: ٧٢] فقلنا: اذبحوا بقرةً واضربوه ببعضها. وأجاب: بأنَّ كلَّ ما قُصَّ من قصص بني إسرائيل إنَّما قُصَّ تعديدًا لِمَا وُجِد منهم من الجنايات، وتقريعًا لهم عليها، ولما جُدِّد فيهم من الآيات العظام، وهاتان القصَّتان كلُّ واحدةٍ منهما مستقلَّةٌ بنوعٍ من التَّقريع وإن كانتا متَّصلتين متَّحدتين، فالأولى: لتقريعهم على الاستهزاء، وترك المسارعة إلى الامتثال، وما يتبع ذلك، والثَّانية: للتَّقريع على قتل النَّفس المحرَّمة، وما يتبعه (١) من الآيات العظيمة، وإنَّما قُدِّمت قصَّة الأمر بذبح البقرة على ذكر القتيل، لأنَّه لو عُمِل على عكسه لكانت قصَّةً واحدةً، ولذهب الغرض في تثنية التَّقريع. وحاصل القصَّة: أنَّه كان في بني إسرائيل شيخٌ موسرٌ، فقتل ابنَه بنو أخيه ليرثوه، وطرحوه على باب المدينة، ثمَّ جاؤوا يطالبون بدمه، فأمرهم الله تعالى أن يذبحوا بقرةً ويضربوه ببعضها ليحيا فيخبر بقاتله، فعجبوا من ذلك، فقالوا: ﴿أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ. قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ﴾ يعني: لا هرمة ولا بكرٌ، يعني: ولا صغيرةٌ ﴿عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ﴾ [البقرة: ٦٧ - ٦٨] (قَالَ أَبُو العَالِيَةِ) رُفَيعٌ الرِّياحيُّ فيما وصله آدم بن أبي إياسٍ في تفسيره: (﴿عَوَانٌ﴾) وفي «اليونينيَّة»: «العوان» بالتَّعريف، وفي فرعها: بالتَّنكير، أي: (النَّصَفُ) بفتح النُّون والمهملة (بَيْنَ البِكْرِ وَالهَرِمَةِ) وقال الضَّحَّاك عن ابن عبَّاسٍ: بين الكبيرة والصَّغيرة، وهي أقوى ما يكون من الدَّوابِّ والبقر، وأحسن ما يكون.

(﴿فَاقِعٌ﴾ [البقرة: ٦٩]) أي: (صَافٍ) لونها، وعن ابن عمر: كانت صفراء الظَّلف، وزاد سعيد ابن جُبَيرٍ: والقرن (٢).

(﴿لاَّ ذَلُولٌ﴾) أي: (لَمْ يُذِلَّهَا العَمَلُ) -بلامٍ واحدةٍ مشدَّدةٍ بعد المعجمة المكسورة- في الحراثة، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ: «لم يُذَلِّلْها» بفتح الذَّال ولامين، أولاهما مُشدَّدةٌ، والثَّانية ساكنةٌ.


(١) في غير (د) و (م): «تبعه».
(٢) في (م): «والقرون».

<<  <  ج: ص:  >  >>