للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا﴾) نبوَّةً وكتابًا، أو ملكًا، أو جميع ما أُوتِي من حسن الصَّوت، بحيث إنَّه كان إذا سبَّح تسبِّح معه الجبال الرَّاسيات الصُّمُّ الشَّامخات، وتقف له الطُّيور السَّارحات والغاديات والرَّائحات، وتجاوبه بأنواع اللُّغات، وتليين الحديد، وغير ذلك ممَّا خُصَّ (١) به: (﴿يَا جِبَالُ﴾) محكيٌّ بقولٍ مُضمَرٍ، ثمَّ إن شئت قدَّرته مصدرًا، ويكون بدلًا من ﴿فَضْلًا﴾ على جهة تفسيره به، كأنَّه قيل: «آتيناه فضلًا قولنا: يا جبال» وإن شئت قدَّرته فعلًا، وحينئذٍ لك وجهان، إن شئت جعلته بدلًا من ﴿آتَيْنَا﴾ معناه: «آتينا قلنا: يا جبال» وإن شئت جعلته مستأنفًا، وثبت للمُستملي والكُشْميهَنيِّ قوله: «﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ … ﴾ إلى آخره» (٢) (﴿أَوِّبِي مَعَهُ﴾. قَالَ مُجَاهِدٌ) فيما وصله الفريابيُّ: أي (٣): (سَبِّحِي مَعَهُ) وعن الضَّحَّاك: هو التَّسبيح بلغة الحبشة، قال ابن كثيرٍ: وفي هذا نظرٌ، فإنَّ التَّأويب في اللُّغة هو التَّرجيع، وقال (٤) وهبٌ: نُوحي معه، وذلك إمَّا بخلق صوتٍ مثل صوته فيها، أو بحملها إيَّاه على التَّسبيح إذا تأمَّل ما فيها، وقيل: سيري معه حيث سار، والتَّضعيف للتَّكثير.

(﴿وَالطَّيْرَ﴾) نُصِب في قراءة العامَّة عطفًا (٥) على محلِّ ﴿جِبَالُ﴾ لأنَّه منصوبٌ تقديرًا، ويجوز الرَّفع، وبه قرأ رَوْحٌ عطفًا على لفظ (٦) ﴿جِبَالُ﴾ وفي هذا من الفخامة والدَّلالة على عظمة داود وكبرياء سلطانه ما فيه، حيث جعل الجبال والطُّيور كالعقلاء المنقادين لأمره، وليس التَّأويب منحصرًا في الطَّير والجبال، ولكن ذكر الجبال لأنَّ الصُّخور للجمود، والطُّيور للنُّفور، وكلاهما تُستبعَد منه الموافقة، فإذا وافقته هذه الأشياء فغيرها أولى، ورُوِي: أنَّه كان إذا نادى بالنِّياحة


(١) في (د): «اختصَّ».
(٢) قوله: «محكيٌّ بقولٍ مُضمَرٍ، ثمَّ إن شئت قدَّرته مصدرًا … ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ … ﴾ إلى آخره» سقط من (د).
(٣) في (د): «قال».
(٤) زيد في غير (د): «ابن»، والمثبت موافقٌ لكتب التَّفاسير.
(٥) في (د): «عطفٌ».
(٦) زيد في (م): «يا».

<<  <  ج: ص:  >  >>