للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

و ﴿تَتْلُواْ﴾: حكاية حالٍ ماضيةٍ، قيل: كانوا يسترقون السَّمع ويضمُّون إلى (١) ما سمعوا أكاذيب ويُلقونها إلى الكهنة، وهم يدوِّنونها (٢) ويعلِّمون النَّاس، وفشا ذلك في عهد سليمان حتَّى قيل: إنَّ الجنَّ تَعْلَمُ الغيب، وإنَّ مُلْكَ سليمان تمَّ بهذا العلم، وإنَّه يسخِّر به الإنسَ والجنَّ والرِّيح له.

(﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ﴾) سخَّرناها له (﴿غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ﴾) أي: جريها بالغداة مسيرة شهرٍ، وبالعشيِّ كذلك، أي: كانت تسير به في يومٍ واحدٍ مسيرة شهرين (﴿وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ﴾) أي: (أَذَبْنَا لَهُ عَيْنَ الحَدِيدِ) وقال غير واحدٍ: ﴿الْقِطْرِ﴾: النُّحاس، أساله له من معدنه، فنبع منه نبوع الماء من الينبوع، ولذلك سمَّاه عينًا، وكان ذلك باليمن، وإنَّما ينتفع النَّاس اليوم بما أخرج الله لسليمان، وإنَّما أُسِيلت له ثلاثة أيَّامٍ (﴿وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾) مصدرٌ مضافٌ لفاعله، أي: بأمره (﴿وَمَن يَزِغْ﴾) يعدل (﴿مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا﴾) الَّذي أمرناه به من طاعة سليمان (﴿نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ﴾) في الآخرة، وقيل: في الدُّنيا، فقد قيل: إنَّ الله تعالى وكَّل بهم ملكًا بيده سوطٌ من نارٍ، فمن زاغ منهم عن أمر سليمان ضربه ضربةً أحرقته (﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ﴾ [سبأ: ١٢ - ١٣] قَالَ مُجَاهِدٌ) فيما وصله عبد بن حُمَيدٍ: (بُنْيَانٌ) سورٌ (٣) (مَا دُونَ القُصُورِ) وقال أبو عبيدة: المحاريب: جمع محرابٍ، وهو مُقَدَّمُ كلِّ بيتٍ، وقيل: المساجد، وكان ممَّا عملوا له بيت المقدس، ابتدأه داود ورفعه قامة رجلٍ، وكمَّله سليمان فبناه بالرُّخام الأبيض والأصفر والأخضر، وعمَّده بأساطين المها الصَّافي، وسقَّفه بأنواع (٤) الجواهر الثَّمينة، وفصص (٥) حيطانه باللَّآلئ واليواقيت وسائر الجواهر، وبسط أرضه بألواح الفيروزج، فلم يكن يومئذٍ أبهى ولا أنور منه، كان يضيء في الظُّلمة كالقمر ليلة البدر، واتَّخذ ذلك اليوم الَّذي فرغ منه عيدًا، ولم يزل على ما بناه سليمان حتَّى غزاه بختنصَّر فخرَّبه، وأخذ ما كان في سقفه وحيطانه ممَّا ذُكِر إلى دار مملكته من أرض العراق.


(١) «إلى»: ليس في (د).
(٢) في غير (س): «يدنونها» ولعلَّه تحريفٌ.
(٣) في (ص) و (م): «صورة» ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.
(٤) في (د): «بألواح».
(٥) في (ب): «قصص»، وهو تصحيفٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>