للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بقي (١) الأسود على الاستعارة؛ لترك المشبَّه؛ لأنَّه لمَّا كان في الكلام ما يدلُّ عليه فكأنَّه ملفوظٌ، وقال المحقِّق الكافِيْجيُّ: تحقيق الكلام في هذا يحتاج (٢) إلى تحقيق الفرق بين الكلام التَّشبيهيِّ والكلام المشتمل على الاستعارة؛ فالتَّشبيهيُّ (٣): هو الذي يُذكَر فيه المشبَّه لفظًا نحو: زيدٌ أسدٌ، أو تقديرًا نحو: أسدٌ، في مقام الإخبار عن زيدٍ، وأمَّا الكلام الذي يتضمَّن الاستعارة؛ فهو الذي يُجعَل خِلْوًا عن ذكر المشبَّه، صالحًا لأن يراد به المشبَّه به لولا القرينة المانعة عن إرادته، وإذا عُلِم هذا فقوله: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ … ﴾ إلى آخره فيه مقصدان:

أحدهما: بيان أَّنه من قبيل التَّشبيه عند أهل البيان لا من قبيل الاستعارة؛ لما فيه من ذكر المشبَّه والمشبَّه به؛ وهما الفجر والخيط الأبيض، وغبش اللَّيل والخيط الأسود، على ما مرَّ.

الثَّاني: تحقيق أنَّه من قبيل الاستعارة لا من باب التَّشبيه؛ استدلالًا عليه بنصِّ الكتاب، وتمسُّكًا بالسُّنَّة، وبشهادة فحوى الخطاب.

أمَّا النَّصُّ فقوله تعالى: ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ بيانٌ لـ ﴿الْخَيْطُ الأَبْيَضُ﴾ ومعلومٌ عندك بالضَّرورة أنَّ البيان مع المبيَّن متَّحدٌ بالذَّات مختلفٌ بالاعتبار، وإنَّما يُتَصوَّر هذا المعنى المجازيُّ على سبيل الاستعارة، وإلَّا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز، وليس بمشتركٍ بينهما.

وأمَّا السُّنَّة فقد عُلِم منها أنَّ المراد بياض النَّهار لا الخيط الأبيض؛ حيث قال فيما يأتي [خ¦٤٥١٠]: «إنَّك لعريض القفا … بل هو سواد اللَّيل وبياض النَّهار» وأمَّا قولهم (٤): «الاستعارة يجب فيها أن يُترَك ذكر المشبَّه احترازًا عن فوات المقصود، وتبرِّيًا عن عود الأمر على موضوعه بالنَّقض والإبطال، ولئلَّا يكون الأمر كلا أمرٍ» فهو مؤوَّلٌ بما لا يُذكَر المشبَّه بحيث يُنبِئ عن التَّشبيه، فيكون المراد رفع الإيجاب الكلِّيِّ، فيكون أعمَّ من عموم السَّلب.


(١) في (د): «نفى»، وهو تصحيفٌ.
(٢) في (ص): «محتاجٌ».
(٣) في (د): «فالتَّشبيه».
(٤) في (ص): «قوله».

<<  <  ج: ص:  >  >>