للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأمَّا فحوى الخطاب؛ فلأنَّ المقام مقام المبالغة والاتِّحاد حتَّى اشتبه المراد على بعض الأذهان، لا مقام التَّغاير والتَّفاوت، ومدار الاستعارة حيثما كانت إنَّما هو على قصد المبالغة ودعوى الاتِّحاد، كما أنَّ مدار التَّشبيه إنَّما هو على قصد التَّغاير والتَّفاوت، والعمدةُ (١) في الفرق بينهما كمالُ التَّمييز بين المقامين بإعطاء كلِّ مقامٍ حقَّه، ثمَّ إنَّ المختار في نحو: زيدٌ أسدٌ هو التَّفصيل؛ فتارةً يكون استعارةً بحسب مقتضى المقام، وأخرى يكون تشبيهًا بحسبه أيضًا، فيكون هذا جمعًا بين القولين المختلفين، قال: فعُلِم من هذا ضعف قول من قال: إنَّه من باب الاستعارة على الإطلاق، كما عُلِم منه عدم متانة (٢) قول من قال: إنَّه من باب التَّشبيه على الإطلاق. انتهى.

و ﴿مِنَ﴾ في ﴿مِنَ الْخَيْطِ﴾: لابتداء الغاية، وهي ومجرورها في محلِّ نصبٍ بـ ﴿يَتَبَيَّنَ﴾ و ﴿مِنَ﴾ (٣) في ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾: يجوز كونها تبعيضيَّةً، فتتعلَّق بـ ﴿يَتَبَيَّنَ﴾ لأنَّ الخيط الأبيض هو بعض الفجر، وأن تتعلَّق بمحذوفٍ على أنَّها حالٌ من الضَّمير في ﴿الأَبْيَضُ﴾ أي: الخيط الذي هو أبيض كائنًا من الفجر، وعلى هذا: يجوز كون (٤) ﴿مِنَ﴾ لبيان الجنس؛ كأنَّه قيل: الخيط الأبيض الذي هو الفجر، قال التَّفتازانيُّ: المعنى على التَّبعيض: حال كون الخيط الأبيض بعضًا من الفجر، وعلى البيان: حال كونه هو الفجر فأعربه حالًا.

(﴿ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ﴾) إلى غروب الشَّمس، والجارُّ والمجرور يتعلَّق بالإتمام، أو في محلِّ نصبٍ على الحال من ﴿الصِّيَامَ﴾ فيتعلَّق بمحذوفٍ، أي: كائنًا إلى اللَّيل (﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ﴾) ولا تجامعوهنَّ (﴿وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾) بنيَّة القربة، والجملة حاليَّةٌ من فاعل ﴿تُبَاشِرُوهُنَّ﴾ قال الضَّحَّاك: كان الرَّجل إذا اعتكف، فخرج من المسجد جامع إن شاء، حتَّى نزلت هذه الآية (إِلَى قَوْلِهِ: ﴿يَتَّقُونَ﴾ [البقرة: ١٨٧]) أي: يتَّقون مخالفة الأوامر والنَّواهي، وسقط «﴿ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ﴾ … » إلى آخره في رواية أبي ذرٍّ، وقال: «الآية» (العَاكِفُ: المُقِيمُ) كذا فسَّره أبو عبيدة، وسقط ذلك (٥) لغير المُستملي.


(١) في (د): «والعهدة».
(٢) في (د): «مقاربة».
(٣) ﴿مِنَ﴾: مثبتٌ من (د).
(٤) في (د): «وعلى هذا يكون».
(٥) «ذلك»: ليس في (ص).

<<  <  ج: ص:  >  >>