للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْقَاعِدُونَ﴾ أي: أولو الضَّرر وغير أولي الضَّرر، وهو من أسلوب الجمع التَّقديري لدلالة التَّفضيل على المفضَّل، وقال الرَّاغب: إن قيل: لِمَ كرَّر الفضل وأوجب (١) في الأول: ﴿دَرَجَةً﴾ وفي الثَّاني: ﴿دَرَجَاتٍ﴾ وقيَّدها بقوله: ﴿مِّنْهُ﴾ وأردفها بالمغفرة والرَّحمة؟ قيل: عَنَى بالدَّرجة: ما يؤتيه في الدُّنيا (٢) من الغنيمة، ومن السُّرور بالظَّفر (٣) وجميل الذِّكر، وبالدَّرجات: ما يتخوَّلهم في الآخرة، ونبَّه (٤) بالإفراد في الأوَّل وبالجمع في الثَّاني على (٥) أنَّ ثواب الدُّنيا في جنب ثواب الآخرة يسيرٌ، وقيَّدها بقوله: ﴿مِّنْهُ﴾ لتعظيمها، وأردفها بالمغفرة والرَّحمة؛ إيذانًا بالوصول إلى الدَّرجات بعد الخلاص من التَّبعات، قال في «فتوح الغيب»: والذي تقتضيه البلاغة هذا؛ وبيانه: أنَّ قوله: ﴿فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ﴾ جملةٌ موضِّحةٌ لِمَا نفى الاستواء فيه، و ﴿الْقَاعِدُونَ﴾ (٦) على التَّقييد السَّابق من أنَّ المراد به: غير الأضرَّاء فحسب، وإنَّما كرَّر ﴿فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ﴾ ليُناط به من الزِّيادة ما لم يُنَط به أوَّلًا، فالفضل الأول: الظَّفر والغنيمة والذِّكر الجميل في الدُّنيا، والثَّاني: المقامات السَّنِيَّة والدَّرجات العالية، والفوز بالرِّضوان في العُقْبى، ثمَّ قال: هذا تفسيرٌ متينٌ (٧)، موافقٌ للنَّظم، لا تعقيد فيه، غير محتاجٍ إلى جعل المجاهدين صنفين، كما يُنبِئ عنه ظاهر «الكشَّاف» ويطابقه (٨) سبب النُّزول، ويلائم حديث أنسٍ مرفوعًا: «لقد خلَّفتم في المدينة أقوامًا ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلَّا كانوا معكم» قاله حين رجع من غزوة تبوك ودنا من (٩) المدينة، والحديثان يؤذنان بالمساواة بين المجاهدين والأضرَّاء، وعليه دلالة مفهوم الصِّفة والاستثناء في ﴿غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ﴾ وكلام الزَّجَّاج: «إلَّا أولو الضَّرر فإنَّهم يساوون المجاهدين»؛ يعني: في أصل الثَّواب لا في المضاعفة؛ لأنَّها تتعلَّق بالفعل.


(١) في (د): «فأوجب».
(٢) زيد في غير (د): «مرَّة».
(٣) في (ب): «بالظَّرف»، وفي (د): «من الظَّفر».
(٤) «ونبَّه»: سقط من (د).
(٥) «على»: مثبتٌ من (ب) و (س).
(٦) في غير (د): «والقاعدون».
(٧) في (د): «تبيين».
(٨) في (د): «ومطابقة».
(٩) في (د) و (م): «إلى»، وليس فيها: «ودنا».

<<  <  ج: ص:  >  >>