للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كما تمسَّك به قومٌ في جواز ذلك، وإنَّما أشار بالذي ظهر فقط؛ ولهذا احتَمَل منه أَخْذَه بثوبه، ومخاطبته له في مثل ذلك المقام، حتَّى التفت إليه متبسمًا، كما في حديث ابن عبَّاسٍ في هذا الباب [خ¦٤٦٧١] (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : إِنَّمَا خَيَّرَنِي اللهُ) بين الاستغفار وعدمه (فَقَالَ: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً﴾ [التوبة: ٨٠] وَسَأَزِيدُهُ عَلَى السَّبْعِينَ) وعند عبد بن حميدٍ من طريق قتادة «فوالله لأزيدنَّ على السَّبعين» وسأل الزَّمخشريُّ فقال: فإن قلت: كيف خفي على رسول الله -يعني (١): أنَّ السَّبعين مثلٌ في التَّكثير-، وهو أفصح العرب وأخبرهم بأساليب الكلام وتمثيلاته، والذي يُفْهم من ذكر هذا العدد كثرة الاستغفار؟! كيف وقد تلاه بقوله: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ﴾ الاية [التوبة: ٨٠] فبيَّن (٢) الصَّارف عن المغفرة لهم، حتَّى قال: «خيَّرني وسأزيد على السَّبعين»؟! وأجاب (٣): بأنَّه لم يَخْفَ عليه ذلك، ولكنَّه خُيِّل بما قال إظهارًا لغاية رحمته ورأفته على من بُعِثَ إليه، كقول إبراهيم: ﴿وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [إبراهيم: ٣٦] وفي إظهار النَّبيِّ الرَّحمة والرَّأفة (٤) لطفٌ لأمَّته، ودعاءٌ لهم إلى ترحُّم بعضهم على بعضٍ. انتهى. قال في «فتوح الغيب»: قوله: «خُيِّل» أي: صُوِّر في خياله أو في خيال السَّامع ظاهر اللفظ -وهو العدد المخصوص-، دون المعنى الخفيِّ المراد وهو التَّكثير، كما أنَّ إبراهيم ما عدَّ عصيانه في قوله: ﴿وَمَنْ عَصَانِي﴾ [إبراهيم: ٣٦] عصيان الله المراد منه: عبادة الأصنام، قال: وهو من أسلوب التَّورية، وهو أن يطلق لفظٌ له معنيان؛ قريبٌ وبعيدٌ، فيراد البعيد منهما. انتهى. وتَعقَّب بعضهم ذلك بأنَّه (٥) يجب عليه إظهار ما علم من الله في أمر الكفر وما يترتَّب عليه من العقاب للزَّجر، وبأنَّه يستلزم (٦) جواز الاستغفار للكافر (٧) مع العلم بأنَّه لا يجوز؛ ولذا قيل: ما كان يعرف كفره، وعند عبد الرَّزَّاق عن معمرٍ، والطَّبريِّ من طريق سعيدٍ؛ كلاهما عن قتادة


(١) «يعني»: ليس في (د).
(٢) زيد في (م): «لهم».
(٣) في (د): «فأجاب».
(٤) في (د): «والرِّقة».
(٥) زيد في (د): «لا»، ولا يصحُّ.
(٦) في (د) و (ص): «يلزم».
(٧) في غير (د) و (س): «للكفَّار».

<<  <  ج: ص:  >  >>