للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

على ذه (١)، والأرضين على ذه، والماء على ذه، والجبالَ على ذه؛ وسائرُ الخلقِ على ذه. وأشار محمد بن الصَّلت أبو جعفر لخنصرهِ أولًا ثمَّ تابعَ حتَّى بلغ الإبهام، وهذا من شديدِ الاشتباه، وقد حملَه بعضهم على أنَّ اليهودَ مشَبِّهة، ويزعمونَ فيما أنزل إليهم ألفاظًا تدخلُ في التَّشبيهِ ليس القولُ بها (٢) من مذهب (٣) المسلمين، وبهذا قال الخطابيُّ، وقال: إنَّه روى هذا الحديث غير واحدٍ عن عبد الله من طريق عبيدةَ، فلم يذكروا قوله: تصديقًا لقول الحبرِ. ولعلَّه من الرَّاوي ظنٌّ وحسبانٌ، وضحكهُ تعجُّبًا من كذبِ اليهوديِّ، فظنَّ الرَّاوي أنَّ ذلك التعجُّبَ تصديقٌ، وليس كذلك.

وقال أبو العبَّاس القُرطبيُّ في «المفهم»: هذه الزِّيادة من قول الرَّاوي باطلة؛ لأنَّ النَّبيَّ لا يصدِّقُ بالمحالِ؛ لأنَّ نسبةَ الأصابعِ إلى الله تعالى محالٌ، وقوله: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ [الزمر: ٦٧] أي: ما عرفوهُ حقَّ معرفتهِ، ولا ريبَ أنَّ الصَّحابةَ كانوا أعلمَ بما رووه، وقد قالوا: إنَّه ضحكَ تصديقًا، وقد ثبتَ في الحديث الصَّحيح: «ما مِن قَلبٍ إلَّا وهو بينَ إِصبعَين من أصابِعِ الرَّحمنِ» رواه مسلم. وفي حديث ابن عبَّاسٍ قال رسولُ الله : «أَتَانِي اللَّيلةَ ربِّي في أحسنِ صورةٍ … » الحديث. وفيه: «فوضَعَ يدهَ بين كتفيَّ»، وفي رواية معاذ: «فرأيتُهُ وضعَ كفَّهُ بين كتفيَّ، فوجدتُ بردَ أَنامِلِهِ بين ثديَيَّ»، فهذه رواياتٌ متظافرةٌ على صحَّةِ ذكر الأصابعِ، وكيف يطعنُ في حديثٍ أجمعَ على إخراجه الشَّيخان وغيرهما من أئمَّةِ النَّقدِ (٤) والإتقانِ؟! لا سيما وقد قال ابنُ الصَّلاح: ما اتَّفق عليه الشَّيخان هو بمنزلةِ المتواترِ (٥)، وكيف يسمعُ وصف ربِّه تعالى بما لا يرضاهُ فيضحَكُ ولم ينكرهُ أشدَّ الإنكارِ؟ حاشاهُ الله من ذلك، وإذا تقرَّر صحَّة ذلك فهو من المتشابهِ كغيره، كالوجهِ واليدينِ والقدمِ والرِّجلِ والجنبِ في قولهِ تعالى: ﴿أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللهِ﴾ [الزمر: ٥٦]. واختلفَ


(١) في (د) هنا والمواضع التالية: «ذي».
(٢) في (م) و (د): «فيها».
(٣) في (م): «مذاهب».
(٤) في (م): «النقل».
(٥) في (ص): «التواتر».

<<  <  ج: ص:  >  >>