للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أئمَّتُنا في ذلك؛ هل نؤولُ المشكل أم نفوِّض معناه المراد إليه (١) تعالى عن ظاهره مع اتِّفاقهم على أنَّ جَهلنا بتفصيلهِ لا يقدحُ في اعتقادنا المراد منه، والتَّفويض مذهب السَّلف وهو أسلمُ، والتَّأويل مذهبُ الخلفِ وهو أعلم، أي: أحوجُ إلى مزيدِ علمٍ، فنؤوِّلُ الأصبعَ هنا بالقدرةِ؛ إذ إرادةُ الجارحةِ مستحيلة، وقد قال الزَّمخشريُّ في «كشافه» بعد ذكر نحو حديث الباب: إنَّما ضحكَ أفصحُ العربِ وتعجَّب لأنَّه لم يفهَم منه إلَّا ما يفهمه علماءُ البيان من غير تصوُّر إمساكٍ، ولا إصبعٍ، ولا هزٍّ، ولا شيء من ذلك، ولكن فهمه وقع أوَّل شيءٍ وآخره على الزُّبدةِ والخلاصة الَّتي هي الدَّلالةُ (٢) على القدرةِ الباهرةِ، وأنَّ الأفعالَ العظامَ الَّتي تتحيَّر فيها الأذهانُ ولا تكتنفها (٣) الأوهام هيِّنة عليه هوانًا لا يوصلُ السَّامع إلى الوقوفِ عليه إلَّا إجراءَ العبارةِ، في مثل هذه الطَّريقةِ من التَّخييلِ، ولا ترى بابًا في علمِ البيان أدقَّ ولا ألطفَ من هذا الباب، ولا أنفعَ (٤) وأعونَ على تعاطِي تأويلِ المشتبهاتِ من كلامِ الله تعالى في القرآنِ وسائر الكتب السماويَّةِ وكلام الأنبياءِ، فإنَّ أكثرهُ وعِلْيَتَه تخييلاتٌ قد زلَّت فيها الأقدامُ، وما أُتِيَ الزَّالُّون إلَّا من قلَّةِ عنايتِهم بالبحثِ والتَّنقيرِ حتَّى يعلمُوا أنَّ في عدادِ العلوم الدَّقيقةِ علمًا لو قدَّروهُ حقَّ قدرهِ لما خفيَ عليهم أنَّ العلوم كلَّها مفتقرةٌ إليه وعيالٌ عليهِ؛ إذ لا يحلُّ عُقَدها المورَبَة (٥) ولا يفكُّ قيودها المكرَبة إلَّا هو، وكم آيةٍ من آياتِ التَّنزيل وحديثٍ من أحاديثِ الرَّسول قد ضيْمِ وسيمَ الخسف بالتَّأويلاتِ الغثَّةِ والوجوه الرثَّة؛ لأنَّ من تأوَّل


(١) في (م): «منه إلى الله».
(٢) في (ص): «الدالة».
(٣) في (د): «ولا تكتنهها».
(٤) في (د): «أرفع».
(٥) في (م) و (د): «الموثقة».

<<  <  ج: ص:  >  >>