للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الَّتي لا يملُّ بها صاحبُها. وقال ابنُ المنيِّرِ: إنَّ هؤلاء بنوا على أنَّ الخوفَ الباعثَ على العبادةِ ينحصرُ في خوفِ العقوبةِ، فلمَّا علموا أنَّه مغفورٌ له ظنُّوا أن لا خوفَ، وحملوا قلَّةَ العبادةِ على ذلك، فردَّ عليهم ذلك، وبيَّن أنَّ خوفَ الإجلالِ أعظمُ من الإكثارِ المتحقَّقِ الانقطاع لأنَّ الدَّائمَ وإن قلَّ أكثرُ من الكثيرِ إذا انقطعَ، وفيه دليلٌ على صحَّةِ مذهبِ القاضي -وغيره (١) - حيث قالَ: لو أوجبَ الله شيئًا لوجبَ وإن لم يتوعَّد بعقوبةٍ على تركِه، وهو مقامُ الرَّسول التَّعبُّدُ على الشُّكرِ وعلى الإجلالِ، لا على خوفِ العقوبةِ، فإنَّه منهُ في عصمةٍ.

(لَكِنِّي) استدراكٌ من شيء (٢) محذوفٌ دلَّ عليه السِّياقُ، تقديره: أنا وأنتُم بالنِّسبةِ إلى العبوديَّةِ سواءٌ، لكن أنا (أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ) أعرضَ (عَنْ سُنَّتِي) طريقتِي وتَركها (فَلَيْسَ مِنِّي) إذا كان غير معتقدٍ لها، والسُّنَّةُ مفردٌ مضافٌ يعمُّ على الأرجحِ فيشمل الشَّهادتين وسائر أركانِ الإسلامِ، فيكون المعرضُ عن ذلك مرتدًّا، وكذا إن كان الإعراضُ تنطُّعًا يفضِي إلى اعتقادِ أرجحيَّةِ عملهِ، وأمَّا إن كان ذلك بضربٍ من التَّأويلِ كالورعِ لقيامِ شبهةٍ في ذلك الوقتِ، أو عجزٍ عن القيامِ بذلك، أو لمقصودٍ صحيحٍ فيعذر صاحبهُ.

وفيه: التَّرغيب في النِّكاح، وقد اختلفَ هل هوَ من العباداتِ أو المباحاتِ (٣)، فقال الحنفيَّة: هو سُّنَّةٌ مؤكَّدةٌ على الأصحِّ. وقال الشافعيَّةُ: من المباحاتِ. قال القَمُوليُّ في «شرح الوسيط» المسمى بـ «البحر» في «باب النِّكاحِ»: فرعٌ: نصَّ الإمامُ على أنَّ النِّكاحَ من الشَّهواتِ لا من القُرباتِ، وإليه أشار الشَّافعيُّ في «الأمِّ» حيثُ قال: قال الله تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء﴾ [آل عمران: ١٤] وقال : «حبِّبَ إليَّ من دُنياكُم (٤) الطِّيبُ والنِّساءُ»، وابتغاءُ النَّسلِ به أمرٌ مظنونٌ، ثمَّ لا يدرى أصالحٌ أم طالحٌ (٥). انتهى.


(١) «وغيره»: ليست في (ص) و (س).
(٢) قوله: «من شيء» سقط من الأصول واستُدرك من فتح الباري.
(٣) في (م): «الحاجات».
(٤) في (ب) زيادة: «ثلاث».
(٥) في (م) و (د): «غير صالح».

<<  <  ج: ص:  >  >>