للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال النَّوويُّ: إن قصدَ به طاعةً كاتِّباع السُّنَّةِ، أو تحصيل ولدٍ صالحٍ، أو عفَّة فرجهِ أو عينهِ فهو من أعمالِ الآخرةِ يثابُ عليه، وهو للتَّائقِ -أي: المحتاج إليه (١) ولو خصِيًّا- القادرِ على مؤنهِ أفضلُ من التخلِّي للعبادةِ تحصِينًا للدِّين، ولما فيه من إبقاءِ النَّسلِ، والعاجزُ عن مؤنهِ يصومُ، والقادرُ غير التَّائقِ إن تخلَّى للعبادةِ فهو أفضلُ من النِّكاحِ، وإلا فالنِّكاحُ أفضلُ له من تركهِ لئلَّا تُفضي به البطالةُ إلى الفواحِش. انتهى.

وقد تعقَّبَ الشَّيخ كمال الدِّين ابنُ الهُمَام قولَهم: التَّخلِّي للعبادةِ أفضلُ، فقال: حقيقة «أفضل» تنفِي كونَه مُباحًا إذ لا فضلَ في المباحِ، والحقُّ أنَّه إن اقترن بنيَّةٍ كان ذا فضلٍ، والتَّجرُّد عند الشَّافعيِّ أفضلُ لقوله تعالى: ﴿وَسَيِّدًا وَحَصُورًا﴾ [آل عمران: ٣٩] مدح يحيى بعدمِ إتيانِ النِّساءِ مع القدرةِ عليهِ لأنَّ هذا معنَى الحَصورِ، وحينئذٍ فإذا استدلَّ عليه (٢) بمثل قولهِ : «أربَعٌ من سننِ المرسلينَ: الحياءُ، والتَّعطُّر، والسِّواك، والنِّكاح» رواه التِّرمذيُّ وقال: حسنٌ غريبٌ. فله (٣) أن يقول في الجوابِ: لا أنكِرُ الفضيلةَ مع حسن النيَّةِ، وإنَّما أقول: التَّخلِّي للعبادةِ أفضلُ، فالأولى في جوابهِ التَّمسكُ بحاله في نفسهِ، وردُّهُ على من أرادَ من أمَّتهِ التَّخلِّي للعبادةِ فإنَّه صريحٌ في عين المتنازعِ فيه، يعني: حديث هذا الباب، فإنَّه ردَّ هذا الحال ردًّا مؤكَّدًا حتى تبرَّأ منه، وبالجملةِ فالأفضليَّةُ في الاتِّباعِ لا فيما يُخيَّل للنَّفسِ أنَّه أفضلُ نظرًا إلى ظاهر (٤) عبادةٍ أو توجُّهٍ، ولم يكن الله ﷿ يرضَى لأشرفِ أنبيائهِ إلَّا بأشرفِ الأحوالِ، وكان حالهُ إلى الوفاةِ النِّكاحَ، فيستحيل أن يقرَّهُ على تركِ الأفضلِ مدَّةَ حياته، وحالُ يحيى كان أفضل في تلكَ الشَّريعةِ، وقد نُسخَتِ الرَّهبانيَّةُ في ملَّتِنا، ولو تعارضَا قدِّمَ التَّمسُّك بحالِ نبينا ، ومن (٥) تأمَّل ما يشتملُ عليه النِّكاحُ من تهذيبِ الأخلاق، وتربيةِ الولدِ، والقيام بمصالحِ المسلمِ العاجزِ عن القيامِ بها، وإعفافِ الحُرَمِ ونفسهِ، ودفع الفتنةِ عنه وعنهنَّ إلى غير ذلك من الفرائضِ الكثيرةِ لم يكدْ يقف


(١) في (س): «له».
(٢) «عليه»: ليست في (م).
(٣) في (م) و (ص) و (د): «له».
(٤) في (س): «ظاهرة».
(٥) في (د): «وإن».

<<  <  ج: ص:  >  >>