للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والعادة، ولا يخفى أنَّ ذلك إنَّما هو بالنَّظر إلى أصلِ الوضعِ، أمَّا ما حدثَ فيه عُرْف كالتَّسبيحِ لمتعجِّبٍ فلا، ومع ذلك فلو قصدَ بالذِّكرِ القربة إلى اللهِ تعالى لكانَ أكثر ثوابًا، ولذا قال في «الإحياء»: حركةُ اللِّسان بالذِّكر معَ الغفلةِ عنه يحصلُ الثَّوابُ؛ لأنَّه (١) خيرٌ من حركةِ اللِّسان بالغيبةِ، بل هو (٢) خيرٌ من السُّكوت مُطلقًا، أي: المجرَّد عن التفكُّرِ. قال: وإنَّما هو ناقصٌ بالنِّسبة إلى عملِ القلبِ (فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ) أي: إلى طاعةِ اللهِ، أو إلى عبادةِ الله، من مكَّة إلى المدينةِ قبل الفتحِ (فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ) جواب الشَّرط (٣)، وجوابُ الشَّرط إذا كان جملةً اسميَّةً فلا بدَّ من «الفاء» أو «إذا» كقوله تعالى: ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾ [الروم: ٣٦] والفاء في جوابِ الشَّرط للسببيَّةِ أو التَّعقيب، وظاهره اتِّحاد الشَّرط مع الجزاءِ، والقاعدةُ اختلافهما، نحو: من أطاعَ اللهَ أثيبَ، ومن عصاهُ عوقبَ، واتِّحادُهما غيرُ مفيدٍ لأنَّه من تحصيلِ الحاصلِ، وأجابَ ابنُ دقيق العيد بأنَّ التقديرَ: فمن كانَت هجرتُه إلى الله ورسولهِ نيَّةً وقصدًا فهجرتُهُ إلى الله ورسوله ثوابًا وأجرًا، حكمًا وشرعًا.

قال ابنُ مالك: من ذلك قوله في حديث حذيفةَ: «ولو مُتَّ متَّ على غيرِ الفِطرةِ» [خ¦٧٩١] وجازَ ذلك لتوقُّفِ الفائدةِ على الفضلةِ، ومنه قوله تعالى: ﴿إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ﴾ [الإسراء: ٧] فلولا قوله في الأوَّل: «على غيرِ الفِطرةِ» وفي الثَّاني: ﴿لِأَنفُسِكُمْ﴾ ما صحَّ، ولم يكُن في الكلامِ فائدةٌ.

قال في «العدَّة» (٤): وإعرابُ «قصدًا ونيَّةً» يصحُّ أن يكون خبر كان، أي: ذات قصدٍ وذات نيَّةٍ، وتتعلَّقُ «إلى» بالمصدرِ، ويصحُّ أن يكون: «إلى اللهِ» الخبر، و «قصدًا» مصدر في موضع الحالِ، وأما قوله: «ثوابًا» فلا يصحُّ فيهِ إلَّا الحال من الضَّمير في الخبرِ. انتهى.

وأعادَ المجرور ظاهرًا لا مضمرًا لأنَّه لم يقل: فهجرتُه إليهما، ولم يذكُره بلفظِ الموصول


(١) في (ب) و (س): «لأنها».
(٢) في (ب): «هي».
(٣) قوله: «جواب الشرط»: ليس في (ص).
(٤) في (د) و (م): «العمدة».

<<  <  ج: ص:  >  >>