للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وعفَّةٌ: بدينٍ وصلاحٍ، فليسَ فاسقٌ كفءَ عفيفةٍ.

وحرفةٌ: فليسَ ذو حرفةٍ دنيئةٍ كفءَ أرفعَ منه، فنحُو كنَّاس ليس كفءَ بنتِ خيَّاطٍ، ولا خيَّاط بنت تاجرٍ، ولا تاجر بنت عالمٍ، ولا يعتبرُ في خصالِ الكفاءةِ اليسارُ لأنَّ المال غادٍ ورائحٍ، ولا يفتخِرُ به أهلُ (١) المروءاتِ والبصائر. وقال الحنابلة -واللَّفظُ للمرداويِّ في «تنقيحه» -: والكفاءةُ في زوجٍ شرطٌ لصحَّةِ النِّكاحِ عند الأكثرِ، فهي حقٌّ للهِ والمرأةِ والأولياءِ كلِّهم، حتَّى مَن يَحْدُث، ولو زالَتْ بعد العقدِ فلها الفسخُ فقط، وعنه ليست بشرطٍ بل للُّزومِ، واختارَهُ أكثرُ المتأخِّرينَ، وهو أظهرُ، ولمن (٢) لم يرضَ الفسخُ من المرأةِ والأولياءِ جميعِهم فورًا وتراخيًا، فهي حقٌّ للأولياءِ والمرأةِ، وهي: دينٌ، ومنصبٌ -وهو النَّسَب-، وحرِّيَّةٌ، وصناعَةٌ غيرُ زريَّةٍ، ويسارٌ بمالٍ بحسبِ ما يجبُ لها.

وقال الشَّافعيُّ: ليسَ نكاحُ غيرِ الأكفاءِ حرامًا فأردُّ به النِّكاحَ، وإنَّما هو تقصيرٌ بالمرأةِ والأولياءِ، فإذا رضُوا صحَّ، ويكون حقًّا لهم تركُوه، فلو رضُوا إلَّا واحدًا فلهُ فسخُهُ.

(وَقَوْلِهِ) ﷿: (﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء﴾) أي: النُّطفة (﴿بَشَرًا﴾) إنسانًا (﴿فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا﴾) يريدُ: فقسَّمَ البشرَ قسمين: ذوي نسبٍ، أي: ذكورًا ينسبُ إليهم، فقال: فلانُ ابن فلان وفلانةُ بنت فلان، وذوات صهرٍ، أي: إناثًا يُصاهرُ بهنَّ، وهو كقوله: ﴿فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى﴾ [القيامة: ٣٩] (﴿وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٤]) حيث خلقَ من النُّطفةِ الواحدةِ بشرًا نوعَين ذكرًا وأنثى، وقيل: ﴿فَجَعَلَهُ نَسَبًا﴾ قرابةً ﴿وَصِهْرًا﴾ أي: مصاهرةً، يعني: الوصلة بالنِّكاحِ من بالأنسابِ (٣) لأنَّ التواصُلَ يقع بها وبالمصاهرةِ لأنَّ التوالد يكونُ بها، وسقط لأبي ذرٍّ قوله: «﴿وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا﴾» وقال بعد ﴿وَصِهْرًا﴾: «الآيةَ».

ومرادُ المؤلِّف من سياقِ هذه الآية: الإشارةُ إلى أنَّ النَّسبَ والصِّهرَ ممَّا يتعلَّقُ به حكمُ الكفاءةِ، ونقلَ العينيُّ عن ابنِ سيرين أنَّ هذه الآية نزلتْ في النَّبيِّ وعليٍّ، وزوَّج فاطمةَ عليًّا، وهو ابنُ عمِّه وزوجُ ابنتِهِ، فكانَ نسبًا وكان صهرًا.


(١) في (ص): «أرباب».
(٢) في (م): «لو».
(٣) كذا في الأصول، ولعلَّ الصَّواب: «من باب الأنساب».

<<  <  ج: ص:  >  >>