للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الدِّياناتِ أن يكون الدِّينُ مطمح نظرِهِم في كلِّ شيءٍ، لاسيَّما فيما يدومُ (١) أمرهُ ويعظُمُ خطرهُ، فلذا اختارهُ بآكد وجه وأبلغه، فأمرَ بالظَّفر الَّذي هو غايةُ البغيةِ، ومُنتهى الاختيارِ والطَّلبِ، الدَّال على تضمُّنِ المطلوبِ لنعمةٍ عظيمةٍ وفائدةٍ جليلةٍ.

وقال في «شرح المشكاة»: قوله: «فاظفَرْ» جزاء شرط محذوفٍ، أي: إذا تحقَّقتَ ما فصَّلْتُ لك تفصيلًا بيِّنًا فاظفَر أيُّها المسترشِدُ بذاتِ الدِّينِ فإنَّها تكسبكُ منافعَ الدَّارينِ، قال: واللَّاماتُ المكرَّرةُ مؤذنةٌ بأنَّ كلًّا منهنَّ مستقلَّة في الغرضِ. وروى ابن ماجه حديثَ ابن عمر مرفوعًا: «لا تزوَّجُوا النِّساء لحُسْنِهنَّ، فعَسَى حُسْنهنَّ أنْ يُرْدِيَهنَّ -أي (٢): يهلكهُنَّ- ولا تزوَّجُوهنَّ لأموالِهِنَّ، فعَسَى أموالهنَّ أن تطغيهُنَّ (٣)، ولكن تزوَّجُوهنَّ على الدِّينِ، ولأمةٌ سوداءُ ذاتُ دينٍ أفضَلُ» (٤).

(تَرِبَتْ يَدَاكَ) أي: افتقرتَا إن خالفْتَ ما أمرتُكَ به، يقال: تربَ الرَّجلُ إذا افتقرَ، وهي كلمةٌ جاريةٌ على ألسِنَتِهم لا يريدونَ بها حقيقَتَها (٥). وقيل: فيه تقديرُ شرطٍ كما مرَّ، ورجَّحه ابن العربيِّ لتَعَدِّيهِ ذواتِ الدِّين إلى ذواتِ الجمالِ والمالِ، ورجِّح عدمُ إرادةِ الدُّعاءِ عليه، وذلك لأنُّهم كانُوا إذا (٦) رَأوا مِقدَامًا في الحربِ أَبلى بلاءً حسنًا يقولون: قاتلَهُ اللهُ ما أشجَعهُ! وإنَّما يريدونَ به ما يزيدُ قوَّتهُ وشجاعتَهُ، وكذلك ما نحنُ فيه، فإنَّ الرجلَ إنَّما يؤثرُ تلكَ الثَّلاثة على ذاتِ الدِّينِ لإعدامها مالًا وجمالًا وحسبًا، فينبغي أن يحملَ الدُّعاء على ما يجبرُ عليه من الفقرِ، أي: عليكَ بذاتِ الدِّينِ يُغنك الله، فيوافقُ معنَى الحديثِ النَّصَّ التَّنزيليَّ: ﴿وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ﴾ [النور: ٣٢] والصالحُ هو صاحبُ الدِّينِ، قاله في «شرح المشكاة».


(١) في (م): «يدور».
(٢) قوله: «يرديهن أي»: ليس في (د).
(٣) في (م) و (ص): «يطغيهن».
(٤) حديث ضعيف الإسناد، وفي المتن نكارة ظاهرة.
(٥) في (م) و (ص): «حقيقته»، وفي (د): «حقيقة الدعاء».
(٦) في (د): «وذلك أنهم إذا».

<<  <  ج: ص:  >  >>