للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي الحديث -كما قال النَّوويُّ - الحثُّ على مصاحبةِ أهلِ الصَّلاحِ في كل شيءٍ لأنَّ من صاحبَهُم استفادَ من أخلاقِهِم وبركتِهِم وحسنِ طرائقِهِم، ويأمنُ المفسدةَ (١) من جهتِهِم.

وحكى محيي السُّنَّة: أنَّ رجلًا قال للحسنِ (٢): إن لِي بنتًا أحبُّها، وقد خَطبها غيرُ واحدٍ، فمَن ترى أن أزوِّجَها؟ قال: زوِّجهَا رجلًا يتَّقِي الله؛ فإنَّه إن أحبَّها أكرَمَها، وإن أبغَضَها لم يظلِمْها.

قال الغزاليُّ في «الإحياء»: وليسَ أمرهُ بمراعاةِ الدِّينِ نهيًا عن مراعاةِ الجمالِ (٣)، ولا أمرًا بالإضرابِ عنهُ، وإنما هو نهيٌ عن مراعاتهِ مجرَّدًا عن الدِّين، فإنَّ الجمالَ في غالبِ الأمرِ يرغبُ الجاهلَ في النِّكاح، دونَ التفاتٍ إلى الدِّينِ ولا نظرٍ إليهِ، فوقعَ النَّهيُ عن هذا. قال: وأمرُ النَّبيِّ لمن يريدُ التَّزوج بالنَّظرِ إلى المخطوبةِ يدلُّ على مراعاةِ الجمالِ، إذ النَّظرُ لا يفيدُ معرفةَ الدِّين، وإنَّما يعرفُ به الجمالُ أو القبحُ.

وممَّا يُسْتحبُّ في المرأةِ أيضًا أن تكون بالغةً -كما نصَّ عليه الشَّافعيُّ- إلَّا لحاجةٍ، كأنْ لا يعفُّهُ (٤) غيرُها، أو مَصْلحةٍ كتزوُّجه عائشةَ.

وأن تكون عاقلةً. قال في «المهمات»: ويتَّجهُ أن يرادَ بالعقلِ هنا العقلُ العرفيُّ، وهو زيادةُ علَّة مناطِ التَّكليفِ. انتهى. والمتَّجهُ أن يرادَ أعمُّ من ذلك.

وأن تكون قرابةً غير قريبةٍ لقوله : «لا تنكِحُوا القرابَةَ القريبَةَ فإنَّ الولدَ يخلَقُ ضَاوِيًا» ذكره في «الإحياء». وقوله: ضَاويًا، أي: نحيفًا لضعفِ الشَّهوة. قال الزَّنجانيُّ: ولأنَّ من مقاصدِ النِّكاحِ اشتباكُ القبائلِ لأجلِ التَّعاضُد واجتماعِ الكلمةِ، وهو مفقودٌ في نكاحِ القريبة. وتوقَّف السُّبكيُّ في هذا الحكمِ لعدم صحَّةِ الحديثِ الدَّال عليه، فقد قال ابنُ الصَّلاح: لم أجدْ له أصلًا معتمدًا (٥). قال السُّبكيُّ: فلا ينبغِي إثباتهُ لعدمِ الدَّليل. انتهى. وقال الحافظ زينُ الدِّين العراقيُّ: والحديثُ المذكورُ إنَّما يعرفُ من قولِ عمر أنَّه قال لآلِ السَّائبِ: قد أضويتُم، فانكحوا في الغرائب.


(١) في (م): «المفسدات».
(٢) في (ص): «لحسن».
(٣) في (م): «للجمال».
(٤) في (ب) زيادة: «إلا».
(٥) في (م) و (د): «مقيدًا».

<<  <  ج: ص:  >  >>