للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نظمُ اللَّفظ، كما أتت هذه المرأةُ بـ «جمَلٍ» في وسط الفقرةِ الأولى، و «جبَلٍ» في وسط الفقرة الأخرى، ففصلت بذلك الكلام على جزءٍ من المقابلة أثناءَ السَّجعتين اللَّتين (١) هما غثٌّ ووغثٌ، فجاء لكلِّ فقرةٍ سجعتان مُتقابلتان مُتماثلتان، ثمَّ في كلامها أيضًا نوعٌ من البديع يسمَّى المطابقة؛ وهو مقابلةُ الشَّيء بضدِّه، فقابلتِ الوعرَ بالسَّهل، والغثِّ بالسَّمين في الفقرتين الأخيرتين، وهو ممَّا يحسِّن الكلام ويروق بمناسبته، وفي طيِّه أيضًا نوعٌ من المجانسةِ وهو تجانسُ جمَلٍ بجبَلٍ، وهو وإن (٢) لم يجانسْه في كلِّ حروفه فقد جانسَه في أكثرها، ثمَّ في كلامها أيضًا نوعٌ من البديعِ؛ وهو حُسن التَّفسير، وغرابةُ التَّقسيم، وإبداعُ حمل اللَّفظ على المعنى (٣)، والمعنى على المعنى في المقابلةِ والتَّرتيب؛ وذلك في قولها: لا سهلٍ فيُرتَقى، ولا سمينٍ فيُنتَقى. فإنَّها فسَّرت ما ذكرت، وبيَّنت حقيقةَ ما شبَّهت، وقسَّمت كلَّ قسم على حيالهِ، وفصَّلت كلَّ فصلٍ من مثاله، وجاءتْ للفقرتين الأوليَين بفقرتين مفسِّرتين، وقابلتْ: لا سهلٍ فيُرتقى بقولها: ولا (٤) سمينٍ فيُنتقى، وهذا يسمَّى المقابلة عند أهل النَّقد. ووقع في رواية النَّسائيِّ بتقديم (٥): لا سمين فينتقى لعوده على اللَّحم المقدَّم، وتأخير سهلٍ لعطفه على الجبلِ المؤخَّر، فيكون أوَّلُ تفسيرٍ لأوَّل مفسَّر؛ وهو قولها: كلحمِ جملٍ، والثَّاني للثَّاني، فحملت اللَّفظ على اللَّفظ، ثمَّ ردَّت المقدَّم على المقدَّم، والمؤخَّر على المؤخَّر، فتقابلت معاني كلماتها، وترتَّبت ألفاظها. ثمَّ في كلامها أيضًا نوعٌ من البديع؛ وهو التزامُ ما لا يلزمُ في سجعها؛ وهو قولها: فيُرتَقى ويُنتقى، فالتزمتْ القاف والتاء في كلِّ سجعٍ قبل القافية، وقافية سجعها الياء المقصورة، وهذا نوع زيادةٍ في تحسينِ الكلامِ وتماثلهِ، وإغراقٍ في جودةِ تشابهه وتناسبهِ، ثمَّ فيه أيضًا نوع من البديع يسمَّى الإيغالُ؛ وهو أن يتمَّ كلام الشَّاعر قبل البيت، أو النَّاثر قبل السَّجع إن كان كلامه سجعًا، وقبل الفصلِ والقطعِ إن لم يكن كذلك، فيأتي بكلمةٍ لتمام قافيةِ البيتِ أو السَّجع، أو مقابلة الفصل والقطعِ، تفيد معنًى زائدًا، فإنَّها


(١) في (م) و (ص): «اللذين».
(٢) في (م) و (ص): «إن».
(٣) كذا في الأصول، وفي بغية الرائد: «اللفظة».
(٤) قوله: «بقولها ولا» ليس في (ص).
(٥) في (د): «تقديم».

<<  <  ج: ص:  >  >>