للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأعجاز على (١) صدور هذه الأقسام، والتَّشبيه أحد أبوابِ البلاغة، وأبدعُ أفانين هذه الصِّناعة، وهو موضعٌ للجلاء (٢) والكشف، والمبالغة في البيان، والعبارة عن الخفيِّ بالجليِّ، والمتوَهَّم بالمحسوسِ، والحقير بالخطيرِ، والشيء بما هو أعظمُ (٣) منه وأحسن، أو أخسُّ وأدوَن، وعن القليلِ الوجود بالمألوفِ المعهود، وكلُّ هذا تأكيدٌ في البيان، والمبالغة في الإيضاحِ، فانظر إلى قول امرأة: زوجي بخيل لا يوصل إلي شيءٍ ممَّا عنده، وبين (٤) كلام هذه المرأةِ، فقد شبَّهت بخلَ زوجها وأنَّه لا يُوصل (٥) إلى ما عنده مع شراسةِ خُلقه وكبرِ نفسه بلحمِ الجملِ الغثِّ على رأسِ الجبلِ الوَغْث، فشبَّهت وعورة خلقهِ بوعورةِ الجبل، وبُعد خيره ببعدِ اللَّحم على رأسه، والزُّهد فيما يرجى منه لقلَّته (٦) وتعذُّره بالزُّهد في لحمِ الجملِ الغَثِّ، فأعطت التَّشبيه حقَّه، ووفَّته (٧) قسطَه، وهذا من تشبيهِ الجليِّ بالخفيِّ (٨)، والمتوهَّم بالمحسوس، والحقيرِ بالخطيرِ، ثمَّ انظر أيضًا حسنَ نظم كلامِها ونضارتَهُ، وأخذه حقَّه من المؤالفة (٩) والمناسبةِ في الألفاظ الَّتي هي رأسُ الفصاحة، وزمامُ البلاغة، فإنَّها وازنتْ ألفاظها، وماثلتْ كلماتها، وقدَّرت فِقَرَها، وحسَّنت أسجاعها، فوازنت في الفِقْرة الأولى لحم برأس في الثَّانية، وجمل بجبل، وغثٍّ بوَغْثٍ، وقحرٍ بوعرٍ، فأفرغتْ كلَّ فقرةٍ في قالب أُختها، ونسجتْها على منوالِ صاحبتِها، ثمَّ في كلامها أيضًا نوع آخر من البديع وهو الموازنةُ، ويسمَّى التَّرصيع والتَّسميط والتَّصفير والتَّسجيع؛ وهو أن تتضمَّن الفِقَرُ أو بيتُ الشِّعر مقاطعَ أخر بقوافٍ مُتماثلة، غير فقر السَّجع وقوافي الشِّعر اللَّازمة، فيتوشَّح بها القول، وينفصل بها


(١) في (م): «عن».
(٢) في (د): «للجلاوة»، وفي الهامش: في نسخة: «للجلا».
(٣) في (ص): «أحسن».
(٤) في (ب) و (س): «إلى».
(٥) في (م) و (ص) و (د): «يصل».
(٦) في (ص): «بقلته».
(٧) في (د): «وفرقته».
(٨) كذا في الأصول، والذي في بغية الرائد: «الخفي بالجلي»، ولعله أولى.
(٩) في (د): «المؤانسة».

<<  <  ج: ص:  >  >>