للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

خلقه الغضب وذلك أنَّه إذا وثبَ على فريسةٍ (١) لا يتنفَّس (٢) حتَّى ينالها. وقال القاضي عياض: حملهُ الأكثرُ على الاشتقاقِ من خلقِ الفهدِ، إمَّا من جهةِ قوَّة وثوبهِ، وإمَّا من كثرةِ نومه. قال: ويحتملُ أن يكون من جهة كثرة (٣) كسبه لأنَّهم قالوا: أكسبُ من فهدٍ، وأصله أنَّ الفهود الهرمة تجتمعُ على فهدٍ منها فتيٍّ، فيتصيَّد عليها كل يومٍ حتى يشبعها، فكأنَّها قالتْ: إذا دخل المنزلَ دخل معه بالكسبِ لأهله، كما يجيءُ الفهدُ لمن يلوذُ به من الفهودِ الهرمةِ، ثمَّ لما كان في وصفِها له بالفهدِ ما قد يحتمل الذمَّ من جهةِ كثرة النَّوم رفعت اللبسَ بوصفها له بخلُق الأسدِ، فأوضحت أنَّ الأوَّل سجيَّة كرمٍ، ونزاهةُ شمائل، ومسامحةٌ في العشرةِ، لا سجيَّة جُبْنٍ وخور في الطَّبع، فقالت: (وَإِنْ خَرَجَ) من البيت (أَسِدَ) بكسر السين المهملة فعل ماض؛ تريد: يفعلُ فعلَ الأسدِ في شجاعتهِ، وفيه -كما قال القاضي عياض-: المطابقةُ بين دخلَ وخرجَ لفظيَّةٌ، وبين فَهد وأَسد معنويَّةٌ، وتسمَّى أيضًا المقابلة، وفيها (٤) أيضًا الاستعارةُ، فإنَّها استعارت له من الحالتين خلقًا واحدًا من هذينِ الحيوانين، فجاء في غايةٍ من الإيجاز والاختصار، ونهايةٍ من البلاغةِ والبيان، أي: إذا دخلَ تغافلَ وتناومَ، وإذا خرج صالَ، فلمَّا استعارتْ له خُلُقَ هذين السَّبعين في الحالتين اللَّازمتين له المختصَّتين أعربت بذلك عن تخلُّقه بهما والتزامهِ لوصفيهما، وعبَّرت عن جميع ذلك كلِّه بكلمةٍ كلمةٍ (٥)، كلُّ واحدة من ثلاثة أحرف، حسنةِ التَّركيب، مع جمالها في اللَّفظ، ومناسبتها (٦) في الوزن، وسهولتِها (٧) في النُّطق (وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ) بفتح العين وكسر الهاء، أي: عمَّا له عهدٌ في البيت من ماله إذا فَقَدَهُ لتمام كرمهِ. وزاد الزُّبير بن بكَّار في آخره: «ولا يرفَعُ اليَوْمَ لِغَدٍ» أي: لا يدَّخر ما حصل عنده اليومَ من أجل غدٍ،


(١) في (م): «فريسته».
(٢) في (د): «ينثني».
(٣) قوله: «قوَّة وثوبه، وإما من كثرة نومه. قال: ويحتمل أن يكون من جهة كثرة» ليس في (ص).
(٤) في (س) و (ص): «فيهما».
(٥) في الأصول كلها: «عن جميع ذلك بكلمة وكلمة»، والتصويب من «بغية الرائد» للقاضي عياض، مخطوطة أحمد فاضل (٢٥٦).
(٦) في (س) و (ص): «مناسبتهما».
(٧) في (س) و (ص): «سهولتهما».

<<  <  ج: ص:  >  >>