للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فكنَّت بذلك عن غايةِ جودهِ، ويحتمل أن يكون المراد (١) من (٢) قولها: فهد -على تفسيره بالوثوبِ عليها للجماعِ- الذَّمُّ من جهةِ أنَّه غليظُ الطَّبع، ليستْ عنده مداعبةٌ قبل المواقعةِ، بل يثبُ وثوبَ الوحشِ، أو أنَّه كان سَيِّئَ الخلقِ يبطشُ بها ويضربُها، وإذا خرجَ على النَّاس كان أمرهُ أشدَّ في الجرأةِ والإقدامِ والمهابةِ كالأسدِ، ولا يسألُ عمَّا تغيَّر من حالها، حتَّى لو عرف أنَّها مريضةٌ أو معوزةٌ وغاب ثمَّ جاء لا يسأل عن ذلك، ولا يتفقَّد حال أهلهِ ولا بيته، بل إن ذكرت له شيئًا من ذلك وثب عليها بالبطشِ والضَّربِ.

(قَالَتِ) المرأة (السَّادِسَةُ) واسمها هندٌ، تذمُّ زوجها: (زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ) باللام المفتوحة والفاء المشددة فعل ماضٍ، أي: أكثر الأكلَ من الطَّعام مع التَّخليطِ من صنوفهِ، حتى لا يُبقي منه شيئًا من نهمتهِ وشرههِ، وعند النَّسائيِّ من رواية عمرَ بن عبدِ الله: «إذا أكلَ اقتفَّ» بالقاف، أي: جمع واستوعبَ، وحكى القاضي عياض: أنَّه روي «رفَّ» «بالراء» بدل: «اللام». قال: وهي بمعنى: لفَّ (وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ) بالشين المعجمة، أي: استقصَى ما في الإناءِ، وقيل: رويت «استفَّ» بالسين المهملة، وهي بمعناها (وَإِنِ اضْطَجَعَ) نامَ (التَفَّ) في ثيابه وحدهُ في ناحيةٍ من البيت وانقبضَ عنها، فهي كئيبةٌ لذلك، كما قالت: (وَلَا يُولِجُ الكَفَّ) أي: لا يدخلُ كفَّهُ داخلَ ثوبي (لِيَعْلَمَ البَثَّ) أي: الحزنَ الَّذي عندي لعدمِ (٣) الحُظوةِ منه، فجمعت في ذمِّها له بين اللُّؤم والبخلِ، وسوء العشرةِ مع أهله، وقلَّة رغبتهِ في النِّكاح، مع كثرة شهوتهِ في الطَّعام والشَّراب، وهذا غايةُ الذَّمِّ عند العربِ، فإنَّها تذمُّ بكثرة الطَّعام والشَّرابِ، وتتمدح بقلَّتهما وبكثرة الجماع لدَلالة ذلك على صحَّة الذُّكوريَّة والفحوليَّة، وقول أبي عبيدٍ في قولها: ولا يولج الكفَّ، أنَّه كان في جسدها عيبٌ، فكان (٤) لا يدخلُ يده في ثوبها ليلمسَ ذلك العيبَ لئلا يشقَّ عليها (٥)، فمدحته بذلك. تعقَّبه ابن قتيبةَ بأنَّها قد ذمَّته في صدر الكلامِ، فكيف تمدحهُ في آخره؟ وأجابَ ابن الأنباريِّ بأنَّه لا مانع أن تجمعَ المرأةُ بين مثالب زوجِها ومناقبه لأنهنَّ كنَّ


(١) «المراد»: ليست في (ص) و (م).
(٢) «المراد من»: ليست في (د).
(٣) في (ب) و (د) و (م): «على عدم».
(٤) في (ب): «كأنه».
(٥) في (م): «عليه».

<<  <  ج: ص:  >  >>