للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

العدد، وقول التَّنقيحِ -كغيره (١) -: وحقُّه أن يقول: ثريَّة، ولكن (٢) وجهه أنَّ كلَّ ما ليس بحقيقيِّ التَّأنيث لك فيه (٣) وجهان في إظهار علامة التَّأنيث في الفعل واسم الفاعل والصِّفة، أو تركها، تعقَّبه في «المصابيح» بأنَّ هذا إنَّما هو بالنِّسبة إلى ظاهر غير الحقيقيِّ التَّأنيث، وأمَّا بالنِّسبة إلى ضميره فبالتَّأنيث قطعًا، إلَّا في الضَّرورة مع التَّأويل، وإلَّا فمثل قولك: الشَّمسُ طلعَ أو طالعٌ ممتنعٌ، وعلى تقدير تسليم ذلك فلا يتمشَّى في هذا المحلِّ، فقد قال الفرَّاء: إنِّ النَّعم مذكَّر لا مؤنَّث، يقولون: هذا نَعَمٌ واردٌ (وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ) من كلِّ شيءٍ يأتيه من أصنافِ الأموالِ الَّتي تأتيه وقتَ الرَّواحِ (زَوْجًا) أي: اثنين، ولم يقتصرْ على الفرد من ذلك، بل ثنَّاهُ وضعَّفهُ إحسانًا إليها (وَقَالَ: كُلِي) يا (أُمَّ زَرْعٍ، وَمِيرِي أَهْلَكِ) أي: صليهِم وأوسعِي عليهم بالميرةِ؛ وهي الطَّعام (قَالَتْ: فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِيهِ مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ). وللطَّبرانيِّ: «فلو جمعتُ كلَّ شيءٍ أصبتُهُ منه فجعلتُهُ في أصغرِ وعاءٍ من أوعيَةِ أبي زرعٍ مَا ملأهُ» والظَّاهر أنَّه للمبالغةِ، وإلَّا فالإناءُ أو الوعاءُ لا يسعُ ما ذكرتْ أنَّه أعطاها من أصناف النِّعم. والحاصل: أنَّها وصفت هذا الثَّاني بالسُّؤدد في ذاته، والثَّروة والشَّجاعة والفضلِ والجود؛ بكونه (٤) أباحَ لها أن تأكلَ ما شاءتْ من مالهِ، وتهدِي ما شاءتْ لأهلها مبالغةً في إكرامِها، ومع ذلك لم يقعْ عندها موقعَ أبي زرعٍ، وأنَّ كثيره دون قليلِ أبي زرعٍ، مع إساءةِ أبي زرعٍ لها أخيرًا في تطليقِها، ولكن حبَّها له بغَّض إليها الأزواجَ لأنَّه أوَّل أزواجها، فسكنتْ محبَّته في قلبها، كما قيل:

مَا الحُبُّ إلَّا للحَبِيْبِ الأَوَّلِ

ولذا كره أولو الرَّأي تزوُّجَ امرأةٍ لها زوجٌ طلَّقها مخافة أن تميلَ نفسها (٥) إليه، والحبُّ يسترُ الإساءةَ. قال القاضي عياض: في كلام أمِّ زرعٍ من الفصاحةِ والبلاغةِ ما لا مزيدَ عليه؛ فإنَّه مع كثرةِ فصولهِ وقلَّةِ فضوله مختار الكلماتِ، واضح السِّمات، نيِّر القسماتِ، قد قدِّرت ألفاظه


(١) في (د): «وغيره».
(٢) «ولكن»: ليست في (ص).
(٣) في (م) و (د): «يكون فيه لك».
(٤) في (ص): «لكونه».
(٥) قوله: «تميل نفسها» ليس في (ص). وفي (م) و (د): «يميل قلبها».

<<  <  ج: ص:  >  >>