للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قدرَ معانيه، وقرِّرت قواعدهُ وشيِّدت مبانيهِ، وجعلتْ لبعضهِ في البلاغةِ موضعًا، وأودعتْه من البديعِ بدعًا، وإذا لمحت كلام التَّاسعة صاحبةَ العماد والنِّجاد ألفيتَها لأفَانين البلاغةِ جامعةً، فلا شيءَ أسلسُ من كلامِها، ولا أربطَ (١) من نظامها، ولا أطبعَ من سجعِها، ولا أغربَ من طبعِها، وكأنَّما فقرَها مفرَّغةً في قالبٍ واحدٍ، ومحذوَّةً على مثالٍ واحد، وإذا اعتبرتَ كلام الأولى وجدتَه مع صدقِ تشبيههِ (٢)، وصقالةِ وجوهه، قد جمع من حُسن الكلام أنواعًا، وكشفَ عن محيَّا البلاغةِ قناعًا، بل كلُّهنَّ حسان الأسجاعِ (٣)، متَّفقاتُ الطِّباع، غريباتُ الإبداع.

(قَالَتْ عَائِشَةُ) بالسَّند الأول: (قَالَ رَسُولُ اللهِ : كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ) أي: أنا لك، فكان زائدة، كقوله تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: ١١٠] وهذا فيه شيءٌ لأنَّ «كان» لا تدلُّ على الانقطاعِ ولا على الدَّوامِ، فليس في الكلامِ ما يقتضِي انقطاع هذه الصِّفة، فلا حاجةَ إلى دَعوى زيادةِ «كان»، وأنَّ المعنى: أنا لك. وزاد في رواية الهيثم بنِ عدي: «في الإلفةِ والوفاءِ لا في الفرقةِ والجلاءِ». وزاد الزُّبير: «إلَّا أنَّه طلَّقها وأنا لا أطلِّقك» فاستثنى الحالةَ المكروهة، وهي ما وقع من تطليقِ أبي زرعٍ تطيبًا لها وطمأنينةً لقلبها ودفعًا لإيهامِ عموم التَّشبيه بجملةِ أحوالِ أبي زرعٍ؛ إذ لم يكن فيه ما تذمُّه النِّساء سوى ذلك، وقد أجابتْ هي عن ذلك جواب مثلها في فضلِها وعلمِها، فقالت -كما عند النَّسائيِّ والطَّبرانيِّ-: يا رسول الله، بل أنت خيرٌ من أبي زرعٍ. وفي رواية الزُّبير: «بأبِي أنت (٤) وأمِّي، لأنتَ خير لي من أبي زرعٍ لأمِّ زرعٍ».

(قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ) البخاريُّ، وفي «اليونينية» شطب بالحمرةِ على «قال أبو عبد الله»: (قَالَ سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ) بنِ أبي (٥) الحسام، المدنيُّ الصَّدوقُ، وليس له في البخاريِّ إلَّا هذا الموضع، وصوَّبه (٦) الغسانيُّ. وقال الكِرمانيُّ: إنَّه في بعض النُّسخ أنَّه: «وقال مُوسى» أي: ابنُ إسماعيلَ


(١) في (م) و (ص) و (د): «أرطب».
(٢) في (م) و (د): «اللهجة».
(٣) في (م) و (ص): «الأشجاع».
(٤) «أنت»: ليست في (س).
(٥) لفظه: «أبي» مستدركة من كتب الرجال.
(٦) في (ص): «صوب».

<<  <  ج: ص:  >  >>