للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

(وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى) بالجرِّ عطفًا على الخلعِ المضاف إليه الباب، ولأبي ذرٍّ: «وقوله (١) ﷿»: (﴿وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ﴾) أيُّها الأزواج أو الحكَّام لأنَّهم الآمرونَ بالأخذِ والإيتاءِ عند التَّرافع إليهم، فكأنَّهم الآخذونَ والمؤتون (﴿أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا﴾) ممَّا أعطيتموهنَّ من المهورِ (٢) (﴿إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ﴾ [البقرة: ٢٢٩]) أي: إلَّا أن يعلمَ الزَّوجان تركَ إقامةِ حدودِ الله فيما يُلزمهما من مواجبِ الزَّوجيَّة، لِمَا يحدثُ من نشوزِ المرأةِ وسوء خُلقها، وسياقُ الآية إلى ﴿حُدُودَ اللّهِ﴾ لأبي ذرٍّ، ولغيرهِ إلى قوله: «﴿شَيْئًا﴾» ثمَّ قال: «إلى قوله: ﴿الظَّالِمُونَ﴾» وتمام المراد من الآية في قوله: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ أي: لا جناح على الرَّجل فيما أخذَ، ولا (٣) عليها فيما افتدتْ به نفسها واختلعتْ من بذلِ ما أوتيتْ من المهر، وفيه مشروعيَّة الخُلع، وقد أجمعَ عليه العلماء خلافًا لبكر بن عبدِ الله المُزنيِّ التَّابعيِّ، فإنَّه قال بعدمِ حلِّ أخذِ شيءٍ من الزَّوجة عوضًا عن فراقها مُحتجًّا بقولهِ تعالى: ﴿فَلَا تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا﴾ [النساء: ٢٠] فأوردَ عليه: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ [البقرة: ٢٢٩] فأجاب بأنَّها منسوخةٌ بآية النِّساء، وأُجيب بقولهِ تعالى في سورة النِّساء أيضًا: ﴿فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ﴾ [النساء: ٤] وبقولهِ تعالى (٤) فيها: ﴿فَلَا جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا﴾ الاية [النساء: ١٢٨] وقد انعقدَ الإجماع بعدَه على اعتبارهِ، وأنَّ آية النِّساء مخصوصةٌ بآية البقرةِ وبآيتي النِّساء الأُخريين، وقد تمسَّك بالشَّرط من قوله تعالى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ﴾ من منع الخُلع إلَّا إن حصلَ الشِّقاق بين (٥) الزَّوجين معًا، والجمهورُ على الجواز على الصَّداق وغيره، ولو كان أكثر منه لكن تُكره الزِّيادة عليه كما في «الإحياء»، وعند الدَّارقطنيِّ، عن عطاء: أنَّ النَّبيَّ قال: «لَا يأخُذُ الرَّجلُ منَ المُخْتَلِعةِ أكثَرَ ممَّا أعطَاهَا» ويصحُّ في حالتي الشِّقاق والوِفاق، فذكرُ الخوف في قوله: ﴿إِلاَّ أَن يَخَافَا﴾ جريٌ على الغالب، ولا يكره عند الشِّقاق أو عند كَراهتها له لسوءِ خُلقهِ، أو دينهِ، أو عند خوفِ تقصيرٍ منها في حقِّه، أو عند حلفهِ بالطَّلاق الثَّلاث من مدخولٍ بها على فعلِ ما لا بدَّ له من فعله، وإن أكرهها بالضَّرب، ونحوه على الخُلع


(١) في (م) و (د): «قول الله»، والمثبت موافق لحواشي اليونينية.
(٢) في (د): «المهر».
(٣) في (د): زيد «جناح».
(٤) في (د): «وبقول الله تعالى».
(٥) في (د): «من».

<<  <  ج: ص:  >  >>