للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

والحاصل: أَنَّ ﴿يَعُودُونَ﴾ إمَّا أن يجري على حقيقتهِ، أو محمولٌ على التَّدارك مجازًا إطلاقًا لاسم المسبَّب على السَّبب لأنَّ المتدارك للأمر عائدٌ إليه، وأَنَّ «ما قالوا» إمَّا عبارة عن القول السَّابق، أو عن مسمَّاه وهو تحريم الاستمتاعِ، وقال ابن عبَّاسٍ: يعودون يندمون فيرجعون إلى الألفةِ لأنَّ النَّادم والتَّائب متداركٌ لما صدر عنه بالتَّوبة والكفَّارة، وأقرب الأقوالِ إلى هذا ما ذهبَ إليه الشَّافعيُّ، وذلك أنَّ (١) القصدَ بالظِّهار التَّحريم، فإذا أمسكَها على النِّكاح فقد خالفَ قوله ورجع عمَّا قاله، فكأنَّه قيل (٢): والَّذين يعزمون على المفارقةِ والتَّحريم ويتكلَّمون بذلك القول الشَّنيع، ثمَّ يمسكون عنه زمانًا أمارةً على العودِ إلى ما كانوا عليه قبل الظِّهار، فكفَّارة ذلك كذا. وقال داود وأتباعُه: المراد: يعودون إلى اللَّفظ الَّذي سبق منهم، وهو قول الرَّجل ثانيًا: أنت عليَّ كظهر أمِّي، فلا تلزم الكفَّارة بالقول الأوَّل، وإنَّما تلزم بالثَّاني، وقال بهذا أبو العالية، وبكير ابنُ الأشج من التَّابعين وكذا الفرَّاء، وقد ردَّه البخاريُّ، فقال:

(وفِي العَرَبِيَّةِ) تستعملُ اللَّام في نحو قوله تعالى: (﴿لِمَا قَالُوا﴾) بمعنى: في (أَيْ: فِيمَا قَالُوا، وَفِي بَعْضِ) بالموحدة المفتوحة وسكون العين المهملة، ولابنِ عساكرَ وأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: «في نقضِ» بالنون والقاف والضاد المعجمة فيهما (مَا قَالُوا) والثَّانية أوجهُ وأصحُّ، أي: إنَّه يأتي بفعلٍ ينقض قولَه الأوَّل، وهو العزمُ على الإمساك المناقض للظِّهار. قال المؤلِّف: (وَهَذَا أَوْلَى) من قول داود الأصبهانيِّ الظَّاهريِّ: إنَّ المراد من الآية ظاهرها، وهو أن يقع العَود بالقول بأن يعيد لفظ الظِّهار، فلا تجب الكفَّارة إلَّا به (لأَنَّ اللهَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى المُنْكَرِ) المحرَّم (وَقَوْلِ الزُّورِ) ولابنِ عساكرَ: «وعلى قول الزُّور» المشار إليه في الآية بقوله: ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ﴾ أي: تنكرهُ الحقيقةُ والأحكام الشَّرعيَّة ﴿وَزُورًا﴾ [المجادلة: ٢] كذبًا باطلًا منحرفًا عن الحقِّ، فكيف يقال: إِنَّه إذا أعاد هذا اللَّفظ الموصوف بما ذكر يجبُ عليه أن يكفِّر ثمَّ تحلُّ له المرأة، وإنَّما المراد: وقوع ضدِّ ما وقعَ منه من المظاهرةِ.

وفي الظِّهار أحاديث في أبي داود، والتِّرمذيِّ، والنَّسائيِّ لم يذكرْهَا المؤلِّف لأنَّها ليستْ على شرطهِ، والله الموفِّق والمعين.


(١) في (د): «لأن».
(٢) في (ص): «قال».

<<  <  ج: ص:  >  >>