للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأقبل عليه الطلبة، ولم يزل يقرئ الطالبين إلى سنة ألف ومائتين واثنتين وسبعين، توفي والدي فحضرت عنده في دروسه كلها، ولم أزل أقرأ عليه إلى سنة ألف ومائتين وثمان وسبعين.

رحل المترجم المرقوم إلى داخل البلد بأمر حضرة الأمير السيد عبد القادر الجزائري، فاستأجر له داراً وعين له معاشاً، وأرسل إليه جميع أولاده للقراءة عنده، فكان يقرؤهم ويقرئ غيرهم في حجرته في مدرسة البدرقية، وكان مع ذلك يشتغل بحساب جداول مما يتعلق بالجيوب وغيرها، مما له تعلق بعلم الفلك والميقات والربع المقنطر والمجيب والاسطرلاب، وقد قرأت عليه جملة رسائل مما يتعلق بذلك.

وفي سنة ألف ومائتين وتسعين حصل خلل في بسيطة منارة جامع بني أمية المسماة بمأذنة العروس، فحسب المترجم سائر أعمالها وجعل لها جداول بعدة الأعمال، ورسم غيرها وأزالها، ووضع بسيطته في مكانها، وكنت في معيته حين رسمها من ابتدائها إلى انتهائها. وله أيضاً رسالة حسبها في رسم الربع المقنطر، لعرض دمشق لحل وقد رسمت عدة أرباع على حسابها. والحاصل أنه في كل علم عمدة ولكل مشكلة عدة، رقيق القلب رحيم، سخي الكف كريم، غير أن دهره قد عانده وعاكسه في آخر أمره وما ساعده، وهذا من دأبه مع أهل الفضائل، وذوي المآثر والشمائل، إلا أن المترجم يقابل ذلك بالتسليم والرضى، ويعلم أن ذلك مما جرى به القدر والقضاء. ومن نظمه في مديح راشد باشا والي ولاية سورية لأمر اقتضى ذلك:

أضحت دمشق ببهجة ومسرة ... تزهو على كل البلاد بنضرة

تهفو القلوب إلى محاسنها التي ... خصت بها من بين كل مدينة

وغدت تطاول كل قطر بالذي ... حازته من مخزون أعلى رتبة

فأقرت الأقطار طراً أنها ... من بينها خصت بكل فضيلة

<<  <   >  >>