عن استنشاق أوراد ورياحين، والله يشهد أن غالب الأوقات، ذكراك نقل وأقوات، وقلبك شاهد على ما أقول، وحجة المحبة ثابتة بأقوى دليل ونقول.
ولقد كنت حرضت الأستاذ لا برح وجوده للسائل نفعا، والدهر لما يقول مجيباً سمعاً، لجمع تراجم المصريين والحجازيين، ومن للأستاذ الوقوف على ترجمته وحاله من أهل الأمصار، من أبناء القرن الثاني عشر، ووعد حفظه الله بالإنجاز، ولسبب الشواغل الطارئة في هذه السنين الموجبة لتكدير الأفكار، ورخص أسعار الأشعار، وأخلاق برد الفضائل وذاك الشعار، أوجب قطع المراسلة وتأخير المطلوب والمأمول، ولم يفز المحب بمرام من ذلك ومسؤول، ولما كنت في الروم قبل ذلك العام، جرى ذكر الأستاذ لدى حضرة أحد رؤسائها الأجلة الصناديد القروم، فأطال بالمدح وأطنب، ثم جرى ذكر التاريخ وفقدانه في هذا الوقت وعدم الرغبة إليه من أبناء الدهر، مع أنه هو المادة العظمى في الفنون كلها، فتأوه تأوه حزين، وكان في مجلسه أحد الأفاضل المولعين باقتناص الأخبار، فقال إن الأستاذ أبا الفيض مرتضى بلغه الله مرامه، وقرن بالنجاح آماله وبالسعود أيامه، قد باشر تأليف تاريخ عظيم بإشارة هذا وأشار إلي، فقلت نعم قد كنت حرضت الأستاذ بجمع ذلك ولا أدري كيف فعل، هل أوقد الطروس تلك المصابيح والشعل، أم عاقه الزمن بأحواله، قال لا بل شعر الوزير الكبير المقتول إسماعيل باشا الرئيس وذكره في ترجمته، ثم إنه أطال على الأستاذ في الثناء، وأطال طرف المدح في حلبة ذلك المجلس إلى المساء، فسرني هذا الخبر الطارئ، من ذلك الرجل الإخباري، وطرت بأجنحة السرور والأماني، وقلت قد صافاني زماني، ولما عدت لبلدتي دمشق دامت معمورة، وبالخيرات مغمورة، وقعت بإشراك الشواغل المتبادرة، وتركت من الفنون كل نادرة، وحرصت على تدبير أمورها